(ث وب) تأتي بمعنى الرجوع في جميع متفرعاتها ، وسمي الجزاء ثوابا لأنه رجوع العمل بوجوده الحقيقي الواقعي إلى العامل. قال تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزال ، الآية : ٨] ، وقال تعالى : (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) [سورة المطففين ، الآية : ٣٦] وغلّب استعمالها في مقابل العقاب.
والمعنى : أنهم لو استبدلوا السحر ، واتباع الشياطين بالإيمان والتقوى لكان ثواب الله على أفعالهم الصالحة خيرا لهم من جميع ما اكتسبوه من أفعالهم. وتنكير المثوبة لبيان أنّ أقل ما يصدق عليه الثواب هو خير لهم مما عملوه.
قوله تعالى : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ). المراد به العلم الفعلي ولو إجمالا أي : أنّهم لو كانوا يلتفتون إلى أنّ الإيمان بالله والتقوى أعلى درجات الكمالات في الإنسان ، وجزاء ذلك أغلى كل جزاء لعلموا قبح ما بدّلوه.
بحوث المقام
بحث دلالي :
يستفاد من الآيات المباركة أمور :
الأول : أنّ الله تعالى لم يبين حقيقة السحر في هذه الآية الشريفة ، وأجمل الأمر ، وإنما وصفه سبحانه في آية أخرى أنه تخييل وضرب من الخداع النفسي ، قال تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) [سورة طه ، الآية : ٦٦] ، وقال تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) [سورة الأعراف ، الآية : ١١٦] ولعل الحكمة في ذلك أنه أوكل معرفة الحقائق المكتسبة إلى بحث الإنسان وجهده في تحصيلها ، وقد ذكرنا في قصة الخليقة ما يتعلق بالمقام.
الثاني : يستفاد من الآية المباركة أن السحر كان من الأمور العادية يتعلمه النّاس في تلك الأعصار ، وهذا من جملة الفروق بينه وبين المعجزة فإنها ليست كذلك ، وسيأتي مزيد بيان في البحث الآتي.