بالأمراض ، فكانوا يخافون منهم كخوفهم من الله تعالى. ولم تسلم الأمم الراقية في هذه الأعصار عن هذه الخرافات حتّى جعلوا للساحر منزلة اجتماعية عظيمة يتوصلون بهم لإنجاح مقاصدهم. وساعد ذلك ما يدعيه السحرة من أنهم قادرون على استحضار الأرواح فيسألونها عما يريدونه أو يأمرونها بأعمال خاصة ، أو أنهم قادرون على إطلاق الرياح وإنزال الأمطار أو يعرفون حوادث المستقبل ويعلمون مقاصد الإله الى غير ذلك من الأكاذيب فيتأثر النّاس بها فينطبع في نفس الواهم أن الأرواح تستجيب إلى أوامر الساحر ولما كان كل ذلك من الوهم ذهب بعض العلماء إلى أنه ليس للسحر حقيقة إلّا ما يؤثّر في الوهم والخيال.
ولقد كان موقف الأديان الإلهية والأنبياء (عليهمالسلام) والكتب السماوية من السحر واضحا فكان أكبر همهم هو إرجاع الإنسان إلى تمييزه وعقله ، وإبطال ما كان يحيط بالسحرة من العظمة والكبرياء ، وأما القرآن الكريم فقد أبطل السحر من جهتين :
الأولى : إزالة الأثر النفسي للسحر والسحرة فقال تعالى : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٠٢] فنفى سبحانه وتعالى عن السحرة القوة الغيبية ، وكم لهذا الكلام الشريف من الأثر النفسي المعاكس للسحر ، وأباطيل السحرة ، فإن الإنسان إذا اعتقد ان جميع الممكنات تحت إرادته تعالى وقضائه وقدره ، وهو القيوم المطلق ولا يقدر أحد ان يتصرف في شيء إلّا بإرادته تعالى كان لهذا الاعتقاد الأثر الكبير في نفسه ، فلا يبقى مجال حينئذ لأباطيل السحرة.
ولعل من حكم إنزال الملكين ـ هاروت وماروت ـ هو تعريف الناس بأعمال السحرة ، وإبطال ما أثاروه حولهم من الإشاعات ، وتهيئة النفوس لتلقي المعارف الإلهية كما عرفت.
الجهة الثانية : هدم صرح السحر حينما قال سبحانه وتعالى بأنه ضرب من الخداع والتخييل ، وان الساحر لا يفلح في أمره مهما حاول إظهار الجد في عمله. وهذا لا ينافي إثبات الحقيقة له في الجملة بل إثبات