الوجود هو إثبات للتحقق له ، فإن الوجود مساوق للشيئية والتحقق ، قال تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) [سورة المدثر ، الآية : ٢٤] والمراد من الأثر في الآية المباركة الإتباع على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى ، فإنه مما لا ينكر ظهور بعض الأعمال وخرق العادة على يد الساحر ولو بحسب وجدان المسحورين ، ومن نفى عنه الحقيقة إنما أراد نفي الحقيقة بالنسبة إلى الواقع كالمعجزة والكرامة ، وهذا مسلّم لا ريب فيه.
ثم إنّ تأثير السحر في الإنسان ضرب من تأثير القوى الفعّالة فيه. كتأثير الكواكب في الأرض بما فيها الإنسان مما لا ينكره أحد ، كما أن تأثير الملائكة المقربين أيضا كذلك. وتأثير الأنبياء والأوصياء وبعض الصالحين بما يصدر منهم المعاجز وخوارق العادات لا يشك فيه عاقل. ومنها تأثير العين والإصابة بها فإنه لا يرتاب فيها أحد وان اختلف العلماء في كيفية تأثيرها ، وفي الحديث : «لو كشف عن القبور لرأيتم أكثر موتاكم من العين» ، وسيأتي تفصيل الكلام في سورة القلم إن شاء الله تعالى.
نعم الفرق بين ما يصدر من الأنبياء والأولياء والعلماء الذين حذوا حذوهم وبين ما يصدر من الشياطين وتابعيهم من السحرة والكهنة واضح ، فإن بينهما فرقا بحسب الذات والمنشأ والغاية.
توضيح ذلك : إنّ الإنسان في عالم الدنيا قائم بالاختيار. وأما عالم الآخرة فهو عالم جزاء الفاعل المختار ، فلو لا الاختيار لبطل العالمان والاختيار بما هو اختيار متعلق بطرفي الفعل ـ الخير والشر ، أو الهداية والضلالة ـ ولكل منهما قائد ودليل. والأنبياء (عليهمالسلام) ومن يتلو تلوهم أدلاء الهداية وأئمتها. والشياطين ومن يحذو حذوها قواد الشر والفساد وأدلاؤهما. ونظر كل واحد من القائدين والدليلين هو الإنسان لا غير ، فالمعجزات والكرامات وخوارق العادات المنبعثة عن القدرة الإلهية غير المتناهية كلها من الأنبياء والأوصياء والأولياء الذين أقدرهم الله تعالى على تلك الأمور وهي سلاسل يجرّ بها النّاس إلى الجنّة ، وفي مثلها قال نبينا