كلام الفصحاء من العرب وغيرهم.
قوله تعالى : (لا تَقُولُوا راعِنا). لفظ «راعنا» سواء كان من المراعاة أو من الرعونة ، أو شيئا آخر ، ليس استعماله من الأدب المحاوري ، وفي خطاب النبي (صلىاللهعليهوآله) بذلك من الجفاء وسوء الأدب لأنه يأتي بالمعنى الذي بيّنه تعالى بقوله جلّ شأنه (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ) [سورة النساء ، الآية : ٤٦] وذلك لأن مقام النبي (صلىاللهعليهوآله) مقام المعلم الهادي ولا بد للمتعلم من حفظ الأدب معه ، ونبذ كل ما هو مشتبه الإهانة والهتك فضلا عن معلومهما. ويحترز عن إظهار منزلة لنفسه عند المعلم فإنه من الإهانة والجفاء بمقامه.
والمعروف أنّ هذه الكلمة سب بالعبرانية ، كما ورد في بعض الروايات. وقال شيخنا الأستاذ البلاغي (رحمة الله عليه) : «قد تتبعت العهد القديم فوجدت أن كلمة «راع» ـ بفتحة مشالة إلى الألف ، وتسمى عندهم (قامص) ـ تكون بمعنى الشر أو القبيح ومن ذلك ما في الفصل الثاني والثالث من السفر الأول من توراتهم. وبمعنى الشرير واحد الأشرار ، ومن ذلك ما في الفصل الأول من السفر الخامس ، وفي الرابع والستين والثامن والسبعين من مزاميرهم ، وفي ترجمة الأناجيل بالعبرانية. و «نا» ـ ضمير المتكلم ـ في العبرانية تبدل الفها واوا أو تمال إلى الواو فتكون راعنا في العبرانية بمعنى شريرنا ونحو ذلك» فتكون الكلمة في لغتهم «راعينو» موافقة للعربية في نبرتها ولهجتها ، ويكون النهي عن استعمالها لئلا يتخذها اليهود ـ الذين عرفوا بسوء الأدب مع أنبيائهم ـ وسيلة للسب والطعن في الدين فيقتدون بالمؤمنين في اللفظ ، ويقصدون المعنى الفاسد منه.
قوله تعالى : (وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا). أي : أمهلنا حتّى نفهم ما تقول ، أو راقبنا في إدراكنا وأقبل علينا. وهذه الكلمة خير من الكلمة الأولى فإنها تفيد ما كانوا يريدونه ، وتنفي ما كانت توهمه الكلمة الأولى. واسمعوا