ثم إنّ الاستعانة بالله تعالى إما اختيارية أو تكوينية بلسان الحال والاستعداد ، والثانية من لوازم الإمكان لا تنفك عنه في جميع العوالم فإن المخلوق محتاج في حدوثه وبقائه إلى الخالق ومستعين به بل كل معلول مستعين كذلك من علته ، كما ثبت بالبراهين العقلية والنقلية أن مناط الحاجة الإمكان دون الحدوث فجميع ما سواه مستعين به ذاتا وقد تجتمع الاستعانتان ، كما في المؤمنين بالله تعالى فإن فيهم الاستعانة التكوينية والاختيارية ، وكل ما تجلت عظمة المستعان في قلوبهم اشتدت استعانتهم به فالاستعانة به تعالى تتفاوت شدة وضعفا.
وتأخير العبادة والاستعانة عن (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) نحو تأخير المعلول عن العلة يعني : من كان رب العالمين ومالك يوم الدين لا بد وان يكون معبودا ومستعانا به. كما أن في تقديم العبادة على الاستعانة اعتراف بالمسكنة والخضوع بألطف وجه في أن يعتني الغني المطلق باستعانته ، ومن ثم قيل : نعم الشيء الهدية أمام الحاجة مع أنه من قبيل تقديم الغاية على ذيها لكثرة أهمية الغاية فإن غاية الاستعانة بالله انما هي استعانته في عبادته وان ما سواها أمور زائلة وحقيرة ، والعاقل لا يستعين بالله تعالى في أمور زائلة غير دائمة إلّا إذا رجعت إلى ما هو دائم يبقى.
بل إن عبادته تعالى والاستعانة منه عزوجل متلازمتان فعبادته استعانة به كما أنّ نفس الاستعانة عبادة له فيكون مثل قول القائل : أديت ديني فقضيت حاجتي أو قوله قضيت حاجتي أديت ديني. وفي ذلك إشارة إلى أن لا ينسب العبد الى نفسه شيئا فانه خلاف أدب العبودية.
وجملة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) دليل واضح على إبطال الجبر والتفويض وإثبات الأمر بين الأمرين ، كما ذكره الأئمة الهداة (عليهمالسلام) على ما يأتي بيان هذا المبحث الشريف مفصلا في الآيات المناسبة له إن شاء الله تعالى.
وإنما ذكر «نعبد» و «نستعين» بلفظ الجمع إما باعتبار القارئ ومن معه من الملائكة الحفظة ، أو باعتبار من معه في صلاة الجماعة ، أو من