بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا؟ أما هذا القرآن إلّا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه وهو كلام يناقض بعضه بعضا فأنزل الله تعالى هذه الآية ونزل أيضا : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ).
أقول : إن ما قاله المشركون نشأ من عدم فهمهم للقواعد العرفية الدائرة بينهم.
وفي الدر المنثور عن قتادة : «كانت الآية تنسخ الآية وكان نبي الله يقرأ الآية والسورة ، وما يشاء الله من السورة ثم ترفع فينسيها الله نبيه ؛ فقال الله تعالى يقص على نبيه : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) فيها رخصة ، فيها أمر ، فيها نهي».
أقول : هذه الرواية لا تناسب مقام النبوة وحفظه لما يوحى اليه كما عرفت سابقا.
وعن الواحدي في أسباب النزول عن ابن عباس في قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) ـ الآية ـ : «نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي أمية ورهط من قريش ، قالوا : يا محمد (صلىاللهعليهوآله) اجعل لنا الصفا ذهبا ، وسع لنا أرض مكة ، وفجر الأنهار خلالها تفجيرا ، نؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية».
أقول : يدل على ذلك ما تقدم من قوله (صلىاللهعليهوآله) «بأن ما وقع في بني إسرائيل يقع في هذه الأمة أيضا».
بحث كلامي :
استدل بعض المفسرين بالآية الشريفة (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) على إمكان النسخ ووقوعه في القرآن الكريم ، وذكرنا ان المراد من النسخ في الآية المباركة غير المعنى المصطلح فيه ، بل هو بالمعنى الأعم. ولتوضيح ذلك لا بد من البحث فيه ولو على سبيل الإجمال.
معنى النسخ :
النسخ في اللغة هو الإزالة ويلازمها النقل والإبطال بالوجوه والاعتبار