والمتعلق والدوام ، ثم تبدلت تلك المصلحة بأخرى مساوية أو أقوى اقتضت رفع الحكم الأول ونسخه ، فيكون مثل التخصيص إلّا أنه تخصيص زماني كما عرفت.
الرابع : كون الحكم في الواقع هو الحكم الناسخ الذي سيثبت بعد ذلك وإنما أنشئ المنسوخ لمصلحة مقدمية لبيان حكم الناسخ في ظرفه وجميع هذه الوجوه صحيحة في نسخ الله تعالى لأحكامه المتعالية ، ولا يستلزم منها أي نقص بالنسبة إليه عزوجل.
والحكمة في النسخ واضحة بعد ما عرفت ، لأنه من مظاهر ربوبيته تعالى العظمى ، فإنه عزوجل لم يكلف عباده إلّا بالتدريج والإمهال متلطفا بهم ، ومراعيا أحوالهم ، فكانت الشرايع الإلهية خطوات متصاعدة في رقي الإنسان ، وتربيته تربية تدريجية متكاملة ، فالنسخ يرجع إلى سياسة العباد والتعهد بهم ، كما أنه يظهر مقدار طاعة الإنسان ، فهو نوع من الامتحان ليميز الخبيث من الطيب. وهو بالأخرة من مظاهر علمه الأتم وحكمته البالغة ، فهو والبداء يتفقان في أنهما يكشفان عن علمه السابق إلّا أن الثاني مورده التكوينيات ، والأول مورده التشريعيات فهو عالم بحقائق الأمور ومحيط بكل شيء ولكن اقتضت حكمته البالغة أن تكون التكاليف على التعاقب والتدريج ، ومن ذلك يظهر إمكان النسخ ذاتا بالنسبة إليه تعالى ، وعدم الإشكال فيه بوجه من الوجوه.
النسخ ووقوعه :
ذكرنا أنّ النسخ واقع في القوانين الوضعية ، وأجمع المسلمون على وقوعه شرعا. وأدل دليل على إمكان الشيء ذاتا هو وقوعه ، فيمكن ادعاء إجماع العقلاء على جوازه في الجملة ، ولكن خالف في ذلك اليهود ، والنصارى ، وهم بين منكر لأصل جوازه ، أو منكر لوقوعه في شريعة من الشرايع ، واستدلوا على ذلك بأمرين :
الأول : أن النسخ يستلزم جهل الباري عزوجل ، أو عدم حكمته لأنّه إن علم سبحانه بأنّ المصلحة في الناسخ وأنّه يرفع المنسوخ فلا وجه