ونحوها ـ ويدل على ذلك جملة من الآيات الشريفة ، قال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) [سورة الشورى ، الآية : ١٣].
فما قيل : إنّ الأصل في كل شريعة أن تنسخ ما قبلها ، وقد نقل أنه : «لم تكن نبوة قط إلّا تناسخت». فإن أريد منه على نحو الجملة أو الإجمال فهو صحيح لا ريب فيه ، كما تقدم. وأما إذا أريد منه على نحو الكلية فهو باطل ، بل لنا أن نقول إنّ كل شريعة لاحقة مقرّرة للشريعة السابقة إلّا إذا علم بنسخها أو بطلانها.
أقسام النسخ :
قد ذكر العلماء للنسخ أنواعا وأقساما ، والمهم منها ما كان مرتبطا بأركانه وهي : المنسوخ ، والناسخ ـ ولا يخفى أن الناسخ هو الله تعالى ويطلق على الدليل مجازا ـ ومورد النسخ. ويظهر حكم بقية الأقسام ضمنا.
التقسيم الأول : ينقسم النسخ باعتبار الناسخ إلى أنواع ثلاثة :
الأول : أن ينسخ الحكم الثابت بالقرآن بمثله. وهذا لا إشكال فيه عقلا ، وواقع كثيرا ، كما يأتي في هذا الكتاب.
الثاني : أن ينسخ الحكم الثابت بالقرآن بالسنة المعتبرة ، او الإجماع القطعي ، وهذا القسم أيضا لا إشكال فيه عقلا ونقلا ، وخالف في ذلك بعض العلماء فذهب إلى أن نسخ الكتاب الشريف لا يكون إلّا بمثله ، واستدل بقوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) [سورة البقرة ، الآية : ١٠٦] بتقريب أن الله تعالى أسند إتيان الناسخ إلى نفسه عزوجل وما يأتيه هو القرآن فقط. وهذا الاستدلال موهون جدا ، فإن السنة المقدسة أيضا من الله تعالى ، قال عزوجل : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [سورة النجم ، الآية : ٣].
الثالث : نسخ الحكم الثابت بالقرآن بالخبر الواحد ، وفي جوازه وعدمه قولان : نسب إلى المشهور الثاني ، والمسألة محررة في الأصول.