اضطربت كلمات الفلاسفة المتألهين في الفرق بين ما هو صفة ذاته تعالى وما هو صفة فعله فجعلوا بعض ما هو صفة الفعل صفة لذاته عزوجل وبذلك عسر الجواب عنه ولم ينهضوا بدليل يحسم الاشكال. لكن المستفاد من الآيات الشريفة ـ على ما سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى ـ والسنة المقدسة قاعدة كلية وهي : كل ما يصح توصيف الله تعالى به وبنقيضه أو ضده فهو من صفة الفعل وكل ما لا يصح ذلك فيه فهو من صفة الذات.
والأول ـ كالإرادة ، قال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٥] ، وقال تعالى : (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة المدثر ، الآية : ٣١].
والثاني ـ كالحياة والبقاء والعلم مثل : السميع والبصير والقدير ، وسيأتي التفصيل في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
ثم إن الهداية إما تكوينية أو تشريعية :
والأولى : ما يعم جميع ما سواه تعالى من المجردات والماديات ويدل على ذلك قوله تعالى : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [سورة طه ، الآية : ٥٠] فالبلوغ إلى مرتبة الكمال في كل موجود هداية بالنسبة إليه.
والثانية : تخص المؤمن ويطلبها منه عزوجل وقد جمعت في الإنسان الهدايتان التكوينية والتشريعية وهو يطلبهما معا أما الأولى بالاستعداد كما في سائر الموجودات والثانية بالطلب الذي يختص به وأما الكافر فله الهداية التكوينية فقط كالنباتات والحيوانات وإنما ترك الهداية التشريعية باختياره بعد ما تمت الحجة عليه.
الصراط : وهو الطريق المؤدي إلى المطلوب. والاستقامة هي الاستواء في مقابل الانحراف والاعوجاج. وإنّها تعم الجميع من الاعتقادات والملكات بل والخواطر النفسانية وأعمال الجوارح من العبادات والمعاملات والمجاملات فإنها إن تطابقت مع رضاء الله تبارك وتعالى كانت مستقيمة وإلّا فهي منحرفة قال تعالى : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٠١] فبين تعالى معنى الهداية والصراط المستقيم بل يتحقق