التفسير
قوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً). مادة (ود د) تأتي بمعنى المحبة وتستعمل في التمني أيضا ، لأنه مشتمل على المحبة ومتضمن لها. أي : تمنى كثير من اليهود والنصارى أن يرجعوكم عن دينكم ويردونكم إلى الكفر ، كما قال تعالى : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) [سورة آل عمران ، الآية : ٦٣].
قوله تعالى : (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ). الحسد تمني زوال نعمة عمن يستحقها سواء أرادها لنفسه أولا ، بخلاف الغبطة التي هي تمني مثل تلك النعمة للنفس من دون إرادة زوالها عن الغير. والأول مذموم ، والثاني محمود ، فعن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «المؤمن يغبط ، والمنافق يحسد»وفي الحديث القدسي : «المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون».
والمعنى : أن حبهم لإضلالكم عن الإيمان ، وإرجاعكم إلى الكفر سببه الحسد الكائن في نفوسهم من بعد ظهور الحق بأن محمدا (صلىاللهعليهوآله) هو النبي الموعود المبشّر به في كتبهم ، وإتمام الحجة عليهم بالآيات التي أتى بها. وفي قوله تعالى : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) إيماء إلى أن ما يصدر عنهم إنما هو من سوء سرائرهم وفساد أخلاقهم لا أن يكون عن غبطة لحق ، أو غيرة عليه ، أو شبهة ونحو ذلك.
والآية المباركة تشير إلى أمر طبيعي ، وهو أن كل طائفة إذا اعتنق أفرادها أمرا وصار ذلك الأمر مألوفا عندهم يحبون أن يكون غيرهم على طريقتهم ، لا سيما إذا وجد ما يخالف ذلك القديم فيتصدون له ويعارضونه بكل ما أمكنهم وينتهي ذلك إلى الحسد الكائن في النفوس فيكون ذلك من عند أنفسهم بعد ظهور الحق.
وفي قوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) إشارة إلى هذا الأمر الطبيعي المغروس في الفطرة في بداية ظهوره ، كما أن في قوله