الصراط المستقيم في جميع الموجودات فإنّها إن طابقت مع ما جعله الله تعالى لها في النظام الأحسن كانت على الصراط المستقيم وإلّا خرجت عنه بعدم بلوغها الى غاياتها للحوادث الطارئة.
فالهداية الى الصراط المستقيم متقومة بطرفين : المفيض وهو الله تعالى ، والمستفيض وهو ما سواه تعالى ، لأنّ جميع الموجودات في طريق الاستكمال الذي أعده الحكيم جل شأنه.
ثم إنّ الصراط المستقيم كلي واقعي له أنواع كثيرة متفاوتة في التجرد والتعلق بالمادة وغير ذلك ويتحد مع الجميع اتحاد الجنس مع أنواعه فالمجرد منه كالعقل الكلي والمتعلق بالمادة منه كنفوس الأنبياء والأوصياء ، والأولياء والعرضية منه كالكتب السماوية والتشريعات الإلهية.
وقد بين الله تعالى معنى الصراط المستقيم الذي يطلبه الإنسان في عدة آيات ، منها قوله تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦١] ، فجعل الدين هو الصراط المستقيم ، ومنها قوله تعالى : (وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [سورة الزخرف ، الآية : ٦١] ، فجعل اتباع النبي (صلىاللهعليهوآله) هو الصراط المستقيم ، وكذا في قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ٧٤] ، ومنها قوله تعالى : (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [سورة يس ، الآية : ٦١] ، وجميع هذه الآيات المباركة بيان لأمر واحد وهو الدين الذي أراده الله تعالى لخلقه وعبّر عنه بالنور في الآيات الكثيرة كما سيأتي بيانها.
والانحراف عن الصراط المستقيم وقوع في الظلمات التي لها أنواع كثيرة يجمعها قوله تعالى : «المغضوب عليهم والضالين» على ما سيأتي ، وذكره تعالى المغضوب عليهم والضالين بعنوان الجمع اشارة الى التعدد والاختلاف وعدم الوحدة فيه بخلاف الصراط المستقيم فإنه واحد لا تعدد فيه بوجه وهو النور الذي لم يستعمل في القرآن إلّا مفردا بخلاف