و «ثمّ» تستعمل في المحل البعيد سواء كان بعيدا عن العقول والأفكار ، أو بعيدا مكانيا ، ويدل على الأول قول الصادق (عليهالسلام): «من تعاطى ثمّ هلك» حيث يدل على خطر التفكير في ذات الله تعالى ، وعلى الثاني قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) [سورة الإنسان ، الآية : ٢٠] وكذا المقام.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ). متعلق وسع يصح أن يكون كل ما يضاف إليه عزوجل من ملكه ، وعلمه ، وحكمته ، وقدرته وإحاطته وتدبيره ، قال تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٥٥] ، وقال تعالى : (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) [سورة الأنعام ، الآية : ٨٠] ، وقال تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٦] ، وقد ذكر (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) في عدة آيات ، ولعل هذا التعبير في الآيات المباركة عبارة عن عدم التناهي في جميع صفات كماله وجماله كما أثبته الفلاسفة المتألهون. أي : ان الله تعالى واسع في رحمته ولطفه بالمتوجه إليه في عبادته.
ومفاد الآية المباركة قاعدة كلية وهي أنّ الله تعالى لا يختص بمكان ولا تخصه جهة خاصة وهو منزه عن أي جهة ومكان ، فهو واسع لا يحده مكان إلّا أن حكمته المتعالية اقتضت لمصالح أن يخص بعض الأمكنة بالاستقبال في موارد خاصة في الشريعة المقدسة وفي غيرها يرجع إلى عموم هذه الآية الشريفة ، فما ورد في تفسير الآية المباركة أنها نزلت في صلاة النافلة إنما هو من باب التطبيق ، ومما يدل على ذلك ذيل الآية الشريفة ، فإن سياقها يدل على توسيع موضوع التوجه اليه عزوجل ، وأنه غير محدود بحد ، أو مكان خاص بل المناط كله هو التوجه إليه تعالى وأما سائر الخصوصيات ـ من المكان والزمان ونحوهما ـ فهي مطلوب آخر ربما يسقط لعذر أو ضرورة ويظهر من ذلك وجه ارتباطها بالآية السابقة ، فإنه تعالى بعد أن ذم من منع المساجد أن يذكر فيها اسمه ذكر تعالى أنه لا يحده مكان وجهة خاصة.