السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [سورة الإسراء ، الآية : ٤٤]. وسبحان مصدر كغفران لا يستعمل إلّا مضافا فإن أصله «سبحته سبحانا» فحذف الفعل وأضيف المصدر إلى ضمير المفعول وقام مقامه. ويستعمل في تنزيهه عن جميع ما لا يليق به عزوجل ، فيجتمع فيه جميع الصفات السلبية.
قوله تعالى : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). شروع في الرد عليهم فحكم بأنه غني لا يحتاج إلى أحد ، وأنّ كل ما في السموات والأرض مملوك له بالإيجاد والاختراع ، ومن كان كذلك لا يتصور الولد بالنسبة اليه. هذا إذا كان المراد بالولد معناه اللغوي العرفي أي النسبي ، منه ، وأما إذا كان المراد الاتخاذي منه ـ كما هو الظاهر من لفظ الاتخاذ في جملة من الآيات المباركة المشتملة على عنوان (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [سورة يونس ، الآية : ٦٨] ، وقال تعالى : (وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) [سورة الإسراء ، الآية : ٤٠] فيكون مثل قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [سورة النساء ، الآية : ١٢٥] ، ونظير قوله تعالى : (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة المجادلة ، الآية : ٢٢] ـ فيمكن أن تصح النسبة حينئذ ، إذ يكفي فيها أدنى مناسبة فضلا عن أعلاها. وهو باطل أيضا لأن مناط اتخاذ الولد الحاجة وهو تعالى منزه عنها ، لأنه الكمال الأتم والغني المطلق فلا يعقل الاحتياج بالنسبة إليه ، وهذا الوجه يجري في القسم الأول أيضا ، مضافا إلى ما سيذكره سبحانه وتعالى في ما بعد.
قوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ). القنوت بمعنى الدعاء والعبادة والخضوع ومرجع الكل إلى الأخير. ولكن للخضوع مظاهر مختلفة أي : ان الكل خاضع لإرادته ومنقاد لسلطانه ، وذلك ينافي أن يتخذ ولدا ، لأن المعبودية المطلقة مناط للاستغناء المطلق وولادة شيء من شيء مناط الاحتياج ، وهما لا يجتمعان ، فجميع ما سواه تعالى يشهد له بتنزهه عن الولد ، قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [سورة الإسراء ، الآية : ٤٤].