قوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). بديع مبالغة في الإبداع ، وهو إيجاد الشيء بصورة مخترعة بلا مادة ، ولا آلة ، ولا مكان ولا سبق مثال وهو مختص به عزوجل. وبالنسبة إلى غيره فهو مطلق إحداث الشيء من غير سبق الوجود ، فإن كان في الدين فهو البدعة المحرمة ، لقول نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة سبيلها إلى النّار».
ثم إنّ بداعته تعالى وكونه بديع السموات والأرض لا يختص بنوع دون نوع ، بل يشمل جميع الموجودات بأقسام جواهرها ـ من الأنواع والأصناف ـ وأنواع أعراضها وأوصافها ، ففي كل ذات من الذوات له تعالى بدائع كثيرة في أصل ذاته ، وعوارضها المحفوفة بها التي ربما لا تحصى بعد ، ولا حصر لذلك ، فيرجع هذا الاسم فيه عزوجل إلى ربوبيته العظمى المطلقة في كل ذرات الوجودات ، وكلياتها وأجزائها وجزئياتها.
وجملة : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لم تذكر في القرآن إلّا في موردين ، وكلاهما في نفي الولد عنه سبحانه وتعالى ، أحدهما هنا ، والثاني قوله تعالى ؛ (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٠١] ، وهو برهان متين جدا ، فإنه من كان مبدعا للسموات والأرض وخالقا لهما وموجدا لجميع ما فيهما يمتنع انتساب الولد اليه ، إذ لم يوجد من مخلوقاته مجانس له حتّى ينسب إليه تعالى.
قوله تعالى : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). مادة (ق ض ي) قد ذكر لهما معان ، أنهاها بعض اللغويين إلى عشرة ، وتبعهم بعض المفسرين. ويمكن إرجاع بعضها إلى بعض ، وقد خلط فيها بين الموضوع له والمستعمل فيه ، بل خلط بين دواعي الاستعمال وتعدد المستعمل فيه ، ولعل المعنى الواحد الساري في الجميع : الفعل ، بالمعنى العام الشامل للحتم ، والحكم ونحوهما ، فقضاؤه حكم وحتم وفعل ، هذا بالنسبة إلى مطلق القضاء الذي هو من فعل الله تعالى. وأما ما هو في مقابل