وما يوجب سعادته في الدارين ، فباختياره يصعد إلى الدرجات كما أن به ينزل إلى الدركات ، والمعلم غير مسئول عن ذلك بعد بذل جهده في التربية والتعليم ، وهذا أمر قد جرت عليه السيرة العقلائية في التعليم والتعلّم الدائرين بينهم.
قوله تعالى : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ). الرضاء من المبينات العرفية ، ويستعمل بين الخالق والمخلوق ، وبين المخلوقين بعضهم مع بعض قال الله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [سورة المجادلة ، الآية : ٢٢] ، وقال تعالى : (فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) [سورة النساء ، الآية : ٢٤] وهو من أهم ما يقوم به النظام.
ومادة (م ل ل) تأتي بمعنى الإملاء والإثبات ، قال تعالى : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٨٢] فالملة إنما هي الشريعة التي أثبتها الله لعباده على ألسنة رسله وأنبيائه ، وهي والشريعة سيان وأما مع الدين فهما واحد مصداقا ، وأعم في الاستعمال ، يقال : دين الله تعالى ، ودين محمد (صلىاللهعليهوآله) ودين زيد ، ولا يقال في الملة ذلك إلّا ملة الله تعالى ، ويصح نسبتها إلى النبي المشرع ، قال تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) وقال تعالى : (دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦١] ، ولعل السر في ذلك أنه روعي في إطلاق لفظ الملة إبلاغ التشريعات الإلهية السماوية ، وهذا يختص بالنبي دون غيره ثم اتسعت حتّى استعملت في الأديان الباطلة أيضا ، وكاد المجاز أن يغلب الحقيقة ، فقيل : «الكفر ملة واحدة».
والآية ظاهرة في اليأس عن إيمانهم بعد أن كان النبي (صلىاللهعليهوآله) يطمع في إسلامهم ، بل كان يرجو مبادرتهم إلى الإيمان ، لأن الإسلام دين التوحيد ودين الفطرة فيوافق ما هم عليه في الجملة. ولذلك كبر على النبي (صلىاللهعليهوآله) إعراضهم وجحودهم ، وكان سبب ذلك أنّهم كانوا يعتبرون دينهم هو الهدى فقط ، وما سواه باطل ، فهم أحق بهذا الأمر من غيره فلا بد من اتباع ملتهم ، أو كان السبب أنهم كانوا يزعمون أنهم