[سورة الرعد ، الآية : ٣٧] والخطاب وإن كان موجها إلى رسوله (صلىاللهعليهوآله). ولكن يراد به أمته ، لأنه تعالى يعلم بأنه (صلىاللهعليهوآله) لا يفعل ذلك فيكون إرشادا للإنسان إلى أن متابعة الهوى توجب الحرمان عن نعمه تعالى وإفاضاته ، فلا بد من متابعة الحق ولا تأخذه فيها لومة لائم ، لأنه يعلم بأنّ الله هو ولي أمره وناصره ، وإلّا لم يكن لائقا بعبوديته تعالى فيستحق أشد العذاب.
وفي الآية المباركة إشارة إلى أن جميع المعارف الحقة ـ أصولا وفروعا ـ لا بد أن تستند اليه تعالى وما سواها يكون من الأهواء الفاسدة والمفسدة فيجب طرحها وعدم متابعتها.
قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ). مادة (تلى) تأتي بمعنى المتابعة ولها مراتب ودرجات ترتقي من القول فقط إلى أقصى درجات المتابعة في القول والفعل والوجود وسائر الجهات. والمراد بحق التلاوة هي التي توجب فهم الكتاب والتفقه فيه واتباع احكامه وقد وردت روايات كثيرة في أن المراد بها ترتيل آياته والتفقه به والعلم بأحكامه» وسيأتي في البحث الروائي ذكرها دون مجرد الترتيل مع المخالفة العملية وإلّا فهو استهزاء به واستخفاف بالله تعالى ولذا قال نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «رب تال القرآن والقرآن يلعنه» والآية تتضمن قاعدتين عقليتين قررتهما الكتب السماوية.
الأولى : أنّ الاعتقاد بالحق ، والعمل به يوجبان كمال النفس وارتقاءها إلى المقامات المعنوية ، والفوز بالدرجات الأخروية.
الثانية : أنّ الكفر بالحق ، وترك العمل به يوجبان الخسران.
وفي الآية المباركة إعلام للنبي (صلىاللهعليهوآله) بأنه ربما يكون في أهل الكتاب من يرجى إيمانهم وهم الذين يتلون التوراة والإنجيل حق التلاوة فيتدبرون آياتهما ويتعلمون أحكامهما.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ). أي : من يكفر بالنبي (صلىاللهعليهوآله) من بعد علمه بالحق فهو الذي خسر السعادتين