البقرة ، الآية : ٢٩]. وأما لو أريد ملاحظة الوسائط بعضها مع البعض فلا كلية له ، قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) [سورة لقمان ، الآية : ٣١].
وإنما اطلق لفظ النعمة في الآية المباركة ، ليفيد التعميم من كل جهة تتصور من النّعم الظاهرية والباطنية ، قال تعالى : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) [سورة لقمان ، الآية : ٢٠].
كما بين تعالى بعض مصاديق نعمه في الآية المباركة : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) [سورة النساء ، الآية : ٦٩] فإنهم نعم مطلقا وان النّعم الواردة من المبدأ غير محدودة بحد خاص ، قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) [سورة إبراهيم ، الآية : ٣٤].
ثم إنّ مادة (نعم) استعملت في القرآن العظيم بهيآت مختلفة كلها تشعر بالحنان والرأفة والعطف والرحمة قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ لِسَعْيِها راضِيَةٌ) [سورة الغاشية ، الآية : ٨] ، وقال تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ٤٧] ، وقال تعالى : (وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) [سورة الدخان ، الآية : ٢٧] إلى غير ذلك من الآيات المباركة الدالة على ما ذكرنا.
تلخيص ما تقدم في أمور :
الأول ـ لا ريب في أنّ تشريع الأديان السماوية وإنزال الكتب الإلهية وتكميل النفوس الإنسانية بل وتنظيم العالمين ـ الدنيا والآخرة ـ متقوّم بهدايته تبارك وتعالى ولكثرة أهمية ذلك صارت الهداية من شؤونه المختصة به ، قال تعالى : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) [سورة آل عمران ، الآية : ٧٣] وقال جل شأنه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة القصص ، الآية : ٥٦] وكما تكون نفس الهداية من فعله تعالى كذلك تكون مراتبها وأقسامها لأنّه حكيم عليم بخصوصياتها ولكنّها في الإنسان بتوسط الإختيار دون غيره من سائر المخلوقات.