ثم إنّ هذه الهداية ـ بالمعنى الذي تقدم ـ واجبة في النظام عقلا لأنّ في تركها إهمالا للنفوس المستعدة وتضييعا لها وهما قبيحان عقلا وكل قبيح ممتنع بالنسبة إليه جل شأنه.
وسبل الهداية بالنسبة إلى الله تعالى كثيرة فكل ما يسوق العبد اليه عزوجل يكون من مظاهر هدايته ومصاديقها فالقرآن من هدايته تعالى لعباده قال تعالى : (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ٩٧] ، وقال تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٥]. وكذلك سائر الكتب السماوية ، قال تعالى : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٦] ، وقال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٤]. وجعل الكعبة المشرفة أيضا من مظاهرها قال تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٩٦]. كما أن السنة الشريفة أيضا كذلك ، لأنها أحسن سبيل لتكميل النفوس الإنسانية.
الثاني ـ إنّ هدايته جل شأنه لعباده على أنواع :
الأول : عام يشمل الجميع قال تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [سورة الدهر ، الآية : ٣] ، وقال تعالى : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [سورة البلد ، الآية : ١٠]. ولا ريب في شمولها لجميع أفراد الإنسان كما يستفاد من الآيات المباركة المتقدمة.
الثاني : الهداية الخاصة وهي تخص بجمع بذلوا وسعهم في العمل بالشريعة المقدسة فزادهم الله تعالى بذلك أنحاء الهداية لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [سورة العنكبوت ، الآية : ٦٩] ، وقال تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) [سورة السجدة ، الآية : ٢٤] ، وقال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [سورة الأنعام ، الآية : ٩٠] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.