الثالث : ما هو أخص من الثاني كما ورد في شأن رسوله وحبيبه (صلىاللهعليهوآله) : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [سورة الإسراء ، الآية : ١] ، وقال تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٧٥]. وغير ذلك مما ورد في شأن أنبيائه الكرام وهذا مقام عظيم لا يليق لأحد إلّا لهؤلاء (صلوات الله عليهم أجمعين). ولكل من هذه الأنواع مراتب كثيرة أيضا.
(الثالث) : حيث إنّ منشأ الصراط المستقيم ـ بكلا معنييه ـ من علمه تعالى وإبداع حكمته التامة وإحاطته به من جميع الجهات فهو الأصل في الكمالات وينبعث منه سائر الكمالات في المخلوقات ، فيكون مبدؤه علمه تعالى وبقاؤه بديع حكمته جل شأنه ومنتهاه الخلود في جنته وفي مثل هذا الأمر ـ الذي لا يدرك عظمته ـ لا يتصور فيه نقص وينطوي فيه جميع المعارف الإلهية ، وما يتصور فيه من الاشتداد والضعف إنما هو من ناحية المتعلق ويأتي تفصيل ذلك في الآيات المناسبة لها إن شاء الله تعالى.
(الرابع) : تقدم أن الصراط هو الطريق المؤدي إلى المطلوب واستعمل في القرآن الكريم موصوفا بالاستقامة والإستواء غالبا ، وقد أضيف اليه تعالى بأنحاء الإضافة كقوله تعالى : (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) [سورة الأنعام ، الآية : ١٢٦] ، وقوله تعالى : (صِراطِ اللهِ) [سورة الشورى ، الآية : ٥٣] وقال الله تعالى : (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [سورة سبأ ، الآية : ٦].
ولم يضف الصراط الى غيره تعالى إلّا نادرا بخلاف السبيل فإنه أضيف إلى غيره تعالى كثيرا ، كما أنّه ذكر بلفظ المفرد والجمع ، قال تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٥٣] ، وقال تعالى : (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [سورة العنكبوت ، الآية : ٦٩].
والسبيل هو الطريق الموصل إلى الصراط واختلاف السبل لا يوجب الاختلاف في أصل الصراط ، فمثل الصراط المستقيم والسبل المؤدية إليه مثل البحر وما يتفرع عنه من الجداول فالبحر يفيض على الكل والكل