مستفيض من البحر وكلها موصوفة بالاستقامة والرشاد وبإزائها الاعوجاج والانحراف والسبل المنحرفة المتفرقة هي سبل الشيطان كما تقدم.
(الخامس) : للصراط المستقيم مراتب من الوجود. (الأولى) : مرتبة البيان وإتمام الحجة وهي من الله تبارك وتعالى وأنبيائه العظام وأوصيائهم (عليهمالسلام) ويدخل في ذلك جميع الشرايع الإلهية والرسالات السماوية. (الثانية) : مرتبة الاعتقاد. (الثالثة) : مرتبة العمل وهما من وظائف العبد إلّا أن الثاني أشقهما عليه (الرابعة) : مرتبة ظهوره في النشأة الآخرة ومن هذه المرتبة الصراط في يوم القيامة الذي لا بد من العبور عليه للوصول إلى محل الخلود.
فالعبور وضعي لا أن يكون تكليفيا ، إذ لا تكليف في يوم القيامة وان اختلف زمان العبور وكيفيته تبعا لاختلاف درجات العابرين ومعنوياتهم.
قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ). بيان للآية السابقة اهتماما بصراط المنعم عليهم واعتناء بشأنهم وأنه يباين طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين فالجملة الأولى وقعت في مقام المدح لعباد الرحمن والأخيرة كأنها وردت في مقام رجم الشيطان ومن تبعه.
والغضب : هو الشدة ، ورجل غضوب أي : شديد الخلق. وغضب الله تعالى عقابه دنيويا كان أو أخرويا أو هما معا ، كما أن رضاه ثوابه ، وهما من صفات الفعل لا من صفات الذات وتقدم بيان الفرق بينهما.
الضلال بمعنى التحير ويستلزمه الهلاك والغيبة عن المقصود الحقيقي والعقاب والهلاك متلازمان ، وإنما ذكرهما معا بيانا للمبدأ والأثر ، فالضلال مبدأ العقاب ومنشأ استحقاقه والعقاب مترتب على الضلال ترتب المقتضى (بالفتح) على المقتضي (بالكسر) وإنما قدم الغضب والعقاب على الضلال إرشادا للإنسان بأن لا يرتكب ما يوجب غضب الله تعالى.
والغضب استعمل في القرآن مع اللعن ومع الرجس ومع العذاب كما في قوله تعالى : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) [سورة المائدة ، الآية : ٦٠] ، وقوله تعالى : (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ) [سورة الأعراف ،