تهيئوا لاستماع البقية ، فهي تشويق وتنبيه لاستعداد تفهم شيء جديد.
ومنها : إرشاد النّاس الى أنّ وراء كل ظاهر باطن فلا يكتفى بالجمود على الظاهر ، بل لا بد من التأمل في بطون الكلمات القرآنية لأنّ في كل كلمة من كلمات القرآن بانفرادها دقيقة ، كما أنّ في سائر جهاتها دقائق ولطائف.
ومنها : أنّها تشير إلى بعض الحقائق ورموز الى بعض العلوم التي سترها الله تعالى عن العباد لما رآه من المصالح حتّى يظهر أهلها فيستفيد منها وتكون لغيره من مخفيات الكنوز فلها ربط بعلم الحروف.
ومقتضى الأخبار الكثيرة أنّ عند الأئمة الهداة شيء كثير منه وهو مما اختصهم الله تعالى به فعلم فواتح السور من الأسرار المودعة لدى الإمام (عليهالسلام) ، ويرشد إلى ذلك ما يستفاد من مواظبة الأئمة الهداة (عليهمالسلام) في حالاتهم الانقطاعية مع الله تعالى وتوسلهم اليه عزوجل بفواتح السور ، وأنّ لها شأنا من الشأن ومنزلة عظيمة عند الله تعالى. وهذه قرينة معتبرة على سقوط كثير من احتمالات المفسرين وبذلك تخرج عن التشابه المطلق لأنّ ما ذكره الأئمة الهداة انما كان من الإفاضات الربوبية عليهم.
قوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ) : فسر الأدباء «ذلك» للإشارة إلى البعيد ـ ذهنيا كان أو خارجيا ، حسيا كان أو عقليا ـ وأنّ موارد استعمالاته في القريب إنّما تكون بالعناية ، كقوله تعالى : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [سورة يوسف ، الآية : ٣٢] وقوله تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٠٢] والمراد بالأولى بعد جمال يوسف (عليهالسلام) عن كل ما يتصورون فيه وبالثانية بعد حقيقته تعالى عن إحاطة العقول بها مطلقا.
وفيه : أنّ كل ذلك تكلّف مستغنى عنه فإن أرادوا الحقيقة والمجاز يعني أنّ استعمال «ذلك» في البعيد حقيقة وفي غيره مجاز أو أنه من تعدد الوضع فالأصل ينفي كلا منهما ؛ وإن أرادوا به مجرّد الاستحسان فهو مخالف للقاعدة التي أسسوها من أن اللغة لا تثبت بالاستحسان.
وحينئذ فإن قالوا بأنّ الموضوع له في أسماء الإشارة عام فهي كأسماء الأجناس لا فرق فيها بين القريب والبعيد والتفرقة بينهما ساقطة. وإن قالوا بأنّه