تعالى : (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٩٧] ، وقال تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ) [سورة الحشر ، الآية : ١٨] واتقاؤه يعني اتقاء عذابه وعقابه ، والا فلا وجه لنسبة الاتقاء الى ذاته ولا قدرته تعالى. وعقاب الله إما دنيوي أو أخروي أو هما معا ، واتقاء عقابه إنما يتحقق بالإيمان الصحيح والعمل الصالح ؛ وأدنى مرتبة التقوى التي يكون المدار عليها في الكتاب والسنة هي إتيان الواجبات وترك المحرمات وفوق ذلك مراتب ودرجات كما وردت في خطبة علي (عليهالسلام) في وصف المتقين وهي من جلائل خطبه ونفائسها.
والتقوى فوق الإيمان بدرجة ، لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [سورة الأنفال ، الآية : ٢٩]. وقد وردت في جملة من الأخبار أيضا ، فعن الرضا (عليهالسلام) : «الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة ، واليقين فوق التقوى بدرجة ، وما قسم في النّاس شيء أقل من التقوى» ويعضد ذلك اللغة والعرف أيضا ، فإن أهل التقوى عند النّاس أخص من المؤمنين ، وقد جعل الإيمان موضوعا للتقوى في جملة من الآيات الكريمة ، منها قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) [سورة البقرة ، الآية : ١٠٣] ، وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) [سورة المائدة ، الآية : ٨٨] ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) [سورة المائدة ، الآية : ٣٥]. نعم قدم التقوى على الإيمان في جملة أخرى من الآيات كقوله تعالى : (إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة المائدة ، الآية : ٩٣].
ويمكن أن يكون هذا التقديم والتأخير باعتبار المراتب والثبات عليها لا باعتبار أصل الإيمان فانه موضوع التقوى ، فما عن بعض المفسرين من أن التقوى في المقام هو الإيمان وأصر عليه مردود ويأتي التفصيل إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ). الإيمان من الأمن سمي به