لكونه موجبا لأمن المؤمن من العقاب في الآخرة قال تعالى : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) [سورة الجن ، الآية : ١٣] أو لأمان النّاس به في الدنيا. وفي الحديث «لأنه يؤمن على الله فيجيز أمانه» وهو ـ كما في جملة من الأخبار ـ الإعتقاد بالجنان والعمل بالأركان والإقرار باللسان فليس الإيمان مجرد الإقرار بل العمل بالوظيفة جزؤه فهو في اللغة والشرع بمعنى واحد وهو التصديق الجازم.
ويستعمل لازما وهو كثير في القرآن ، قال تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) [سورة البقرة ، الآية : ١٣]. ومتعديا بكلمة (الباء) و (اللام) وهو أيضا كثير ، قال تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٧٧] ، وقال تعالى : (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) [سورة يونس ، ٨٣].
ويكشف من ورود متفرعات هذه المادة في مواضع كثيرة من القرآن عن أهمية الإيمان وأنّه الأصل في الكمالات الإنسانية مطلقا ، بل جعل تعالى العقل ـ الذي هو من أعظم مواهبه ـ دائرا مداره ، فقال عزوجل : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) [سورة الطلاق ، الآية : ١٠] حيث خص أولي الألباب بالمؤمنين.
وقرن العمل بالصالحات مع الإيمان في كثير من الآيات ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [سورة البقرة ، الآية : ٨٢] ، وفي النصوص الكثيرة أن الإيمان مبثوث على الجوارح جميعها ويدل على ذلك الإعتبار أيضا فإنّ من التزم بشيء ولم يعمل بما التزم به لا يعد من أهل ذلك الملتزم به إلّا بالعناية والمجاز.
نعم ؛ الإيمان أمر تشكيكي وانه كسائر الصفات النفسانية التي لها مراتب كثيرة كمالا ونقصا وشدة وضعفا كما سيأتي ويختلف باختلاف متعلقه من القلب واللسان وعمل الجوارح وأعلى مراتبه ما بينه تعالى في قوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ