قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ). الختم والطبع بمعنى واحد وهو تغطية الشيء والاستيثاق منه لئلا يدخله غيره. والختم على القلب كناية عن عدم انتفاعه بالمعارف الربوبية والحقائق الإلهية وما يترتب عليها في عالم الدنيا والآخرة ، فالختم والطبع وصيرورة القلب في الأكنّة كلها بمعنى واحد ، وهو ما ذكره عزوجل في قوله تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) [سورة الأنعام ، الآية : ٢٥] ، وكذلك قوله تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) [سورة المطففين ، الآية : ١٤].
والمراد منه أنّ من تمكن منه الكفر واستحوذ على قلبه فلا يبقى فيه استعداد للإيمان والهداية وعلم الله تعالى انه لا يؤمن باختياره وذلك بسبب ممارسته المعاصي ومزاولته لارتكاب المحذورات ، فتأثر طبعه ونفسه بها وصارت كالطبيعة الثانية له فلا يرجى منه خير وهذا هو المراد من الطبع والختم فيكون ذلك أمرا طبيعيا فهو سنة الله في خلقه ولذا عبر عنه بالماضي للدلالة على أنه أمر مفروغ منه وسنة قائمة في من كان كذلك.
وهذه الآية المباركة لا تدل على سلب الإختيار عنهم وانهم مجبورون على الكفر ، بل الختم أو الطبع على القلب حاصل من عملهم وإصرارهم على الكفر ، ويدل على ذلك آيات كثيرة منها الآية المتقدمة الدالة على أن الرين كان بسبب كسبهم المعاصي حتّى غطّت قلوبهم تلك المعاصي ، وكذا قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [سورة الجاثية ، الآية : ٢٣] فإنه يدل على أن الختم حصل بسبب اتخاذه إلهه هواه بحيث أعمى بصره وبصيرته فلا يفيد معه شيء.
وإنما أسند الختم الى نفسه تعالى للدلالة على ما ذكرناه ، ولأنه من نسبة المقدور والمقضي الى القدر والقضاء لا نسبة المعلول إلى علته ، أو نسبة المرضي الى الرضا ، فإن الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر والجهالة