آخرين هما من أبطن الكفر وأظهر الإيمان وهم المنافقون ، ومن أظهر الكفر وأبطن الإيمان ؛ حيث إنّ للإنسان قلبا ولسانا فيمكن أن يعتقد بقلبه شيئا ويظهر بلسانه خلافه ، ويأتي الثاني عند قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) [سورة النحل ، الآية : ١٠٦].
وفي هذه الآيات يذكر حال المنافقين الذين جعلهم الله تعالى في عرض الكفار في الدنيا فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [سورة التوبة ، الآية : ٧٣] كما أنه جمعهم في الآخرة فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) [سورة النساء ، الآية : ١٤٠].
وقد عطف هذه الطائفة على الطائفة الثانية لما بينهما من الصّلة والترابط في الكفر بينما قطع الثانية عن الأولى لما بينهما من التباين والاختلاف.
وقد وصف سبحانه وتعالى حال الطائفة الثانية في آيتين وحال المنافقين في ثلاث عشرة آية هنا لأنهم أشد ضررا على المسلمين من غيرهم. وانهم فرقة من النّاس توجد في كل عصر وزمان ولا تختص بالمنافقين في عصر التنزيل وإن كانت تتناولهم تناولا أوليا وقد اعتنى الله سبحانه بذكر أوصافهم وتوبيخهم ليتجنب المؤمنون عن كيدهم وإغوائهم وتضليلهم وخبثهم وإلّا فهم من الكافرين لنفي الإيمان عنهم حيث قال تعالى : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) فالتقسيم ثنائي في الواقع المؤمن ، والكافر. وإنما أهمل سبحانه ذكر أسمائهم لأن من أدب القرآن الستر مهما أمكن ، ولأن الأمر من قبيل القضية الحقيقية شامل لكل من يكون كذلك.
التفسير
ذكر سبحانه جملة من صفات المنافقين في هذه الآيات الشريفة : منها قوله تعالى : (يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) فنفى الإيمان عنهم. وإنما خص سبحانه الإيمان بالله واليوم الآخر بالذكر ولم يحك عنهم الإيمان بالأنبياء لاستلزام الإيمان بالمبدأ والمعاد الإيمان بالأنبياء أيضا كما عرفت سابقا.