وما يقال : من أنّ للمنافقين أعمالا حسنة في حد نفسها أيضا فكيف يعدون من الكفار بقول مطلق (مردود) بأنّ الأعمال الحسنة من المنافق إنّما صدرت لأجل أغراضهم الشريرة فلا وجه لترتب الأثر الحسن عليها فنفي حقيقة الإيمان عنهم يجزي عن هذه التكلفات.
ومنها قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا). الخدع : المكر. وهو إظهار شيء وإخفاء خلافه ، وهو من أقبح الرذائل وشر الصفات.
وعن بعض الأدباء أن المخادعة من فعل الطرفين وجعلوا ذلك هو الأصل في صيغ المفاعلة وتبعهم جمع من المفسرين ثم قالوا إنّ المخادعة محالة على الله وغير لائقة بالمؤمنين لأنه من فعل المنافقين.
ولكن ذلك مردود بأنّ صيغة المفاعلة إنّما تدل على إنهاء الفعل إلى الغير واقعا أو اعتقادا وأما أنّ الغير يفعل مثل ذلك بالنسبة إلى الفاعل الأول فهو غير مأخوذ فيها ، فقد يكون وقد لا يكون. نعم الجزاء على المخادعة مع الله ورسوله شيء ومخادعة الله ورسوله شيء آخر لا ربط لأحدهما بالآخر وإنما ذكرت المخادعة لبيان أن هذا العمل يتكرر عنهم.
وأما مخادعتهم مع الله ورسوله تكون بالنسبة إلى اعتقاد المنافق لا بالنسبة إلى الواقع إذ لا معنى لمخادعة من هو عالم السر والخفيات ومع ذلك نسبها سبحانه الى نفسه ابتداء تسلية للمؤمنين لئلا يثقل تحملها عليهم لشدة صفاء قلوبهم فوحدة السياق نحو تلطف منه تعالى بالمؤمنين كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [سورة الفتح ، الآية : ١٠] وغير ذلك من الآيات المباركة.
وأما خداعهم مع المؤمنين فبإظهار الإيمان وإخفاء الكفر والعمل رياء وسمعة وذلك لأجل الاطلاع على أسرار المؤمنين واذاعتها لأعدائهم.
قوله تعالى : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) اي : ضرر عملهم راجع إليهم فهم المخدعون. وأصل الشعور هو التوجه والالتفات والفطنة بالشيء ولا يقال إلّا في ما دق وخفي ، ولذلك لا يوصف به سبحانه لعدم خفاء شيء عليه.