ثم إنّ الخروج عن الاعتدال والاستقامة الذي هو معنى الفساد تارة يكون بالنسبة إلى الشخص نفسه في ما بينه وبين الله تعالى كالرياء وأخرى بالنسبة إلى شخص آخر مثله كالغش مثلا وثالثة بالنسبة إلى المجتمع كالخيانة بالنسبة إليهم ولهذه الحالات مراتب متفاوتة. وفي الجميع إما أن يكون الشخص متوجها الى ما يفعل أو لا يكون كذلك بل يرى فساده صلاحا وإصلاحا والآية المباركة تبين هذا القسم.
ومعنى الفساد في الآية الشريفة ارتكاب المعاصي سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، ويدخل فيها مذام الأخلاق ، وذلك لأنّ أفعال الإنسان إما أن تكون موافقة للشرع ، أو تكون موافقة لموازين الاجتماع وإن كانت مخالفة للشرع ، وثالثة : أن تكون موافقة لمعتقدات الشخص وإن كانت مخالفة للأولين ، والنفاق أو الفساد في الآية المباركة من أحد الأخيرين وقد أكد تعالى بطلان معتقداتهم في قوله : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) بأن لا صلاح في معتقداتهم إذ ليس كل صلاح اعتقادي صلاحا واقعيا.
قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ). لظهور آثار الفساد في أفعالهم كتفريق المسلمين وإلقاء النفاق بينهم وافشاء أسرارهم.
قوله تعالى : (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ). لأنّ كثرة انهماكهم في الغي والضلالة أوجبت أنهم يرون باطلهم حقا فنفى الله تبارك وتعالى نسبة الشعور عنهم بكلمة (لا) الظاهرة في نفي نسبة المدخول في مثل المقام والدال على الاستمرار فالآية الشريفة في مقام توبيخ المنافقين والتشنيع عليهم حيث وصفهم بعدم الشعور والإدراك.
ولعل نفي الشعور عنهم مرتين تارة : بقوله تعالى : (وَما يَشْعُرُونَ) وأخرى : بقوله تعالى : (لا يَشْعُرُونَ) للإشارة إلى نفي أصل الشعور عنهم أولا ونفي أنهم لا يشعرون بذلك فيكون من إثبات الجهل لعدم الشعور لهم.
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ). ذكر تعالى صفة أخرى من صفات المنافقين وهي السفاهة وهذه الصفة تلازمهم ولا بد وان يكونوا كذلك لأن من ليس أهلا للحق ولا يقبله من