أهله كان ذلك من الجهل المركب عنده ويرى سوء عمله حسنا كما يرى من سواه فاسدا هالكا. وقد أعيت هذه الفرقة جميع أنبياء الله عزوجل وأوليائه في كل عصر لو لا أن تداركهم العنايات الخاصة الإلهية جل شأنه ، ويشهد لما ذكرنا قوله تعالى : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [سورة الشعراء ، الآية : ١١١] ، وقال تعالى : (ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) [سورة هود ، الآية : ٢٧].
وإنما أتى سبحانه وتعالى القول بصيغة المجهول تنبيها إلى عدم اختصاص القائل بشخص مخصوص بل يشمل كل من أظهر الحق كما تقدم في الآية السابقة.
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ). الناس والإنسان والبشر ألفاظ مترادفة معنى لهذا الحيوان الناطق المستوي القامة الذي يتفاوت أفراده بين أوج الكمال وأدنى مرتبة الحضيض فالمراد بهم في المقام من دخل في الإسلام ، وتقدم معنى الإيمان.
قوله تعالى : (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ). السفه : هو الخفة وقلة التمييز بين الخير والشر والنفع والضرر سواء كان في الأمور الدنيوية أو الأخروية ، فمن لا يعرف نفعه من ضره وخيره من شره بالنسبة إلى الجهات الأخروية يعد سفيها بالنسبة إليها ولو كان رشيدا وملتفتا إلى الأمور الدنيوية التفاتا دقيقا ، كما أن كلّ من كان متوجها وملتفتا إلى أموره الأخروية وغير دقيق في أموره الدنيوية يعد عند الناس سفيها ، وهذا نزاع قديم بين الفريقين فأهل الدنيا يعدون أهل الآخرة سفهاء وأهل الآخرة يعدون أهل الدنيا من السفهاء.
ولا نزاع في الحقيقة لأن المراد من السفيه السفه من جهة لا من كل جهة فمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها لا يعد سفيها بالنسبة إلى الآخرة وان عده بعض أهل الدنيا سفيها بالنسبة إلى بعض جهات الدنيا ومن أراد الدنيا وسعى لها سعيها معرضا عن الآخرة يعد سفيها بالنسبة إلى الآخرة كما في المقام لأنه ترك الحياة الدائمة الباقية لأجل الحياة الزائلة ويأتي التفصيل في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.