قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ). ولا ريب في مطابقة ذلك للواقع لأن كل من ترك الحياة الدائمة وأخذ بغيرها سفيه بلا شك. وإنما عبّر بقوله تعالى هنا (لا يَعْلَمُونَ) وفي الآيات السابقة عبّر تعالى ب (لا يَشْعُرُونَ) تنبيها على أنهم متوغلون في الجهالة وأنّها من سنخ الجهل المركب وتأكيدا لنفي الإدراك عنهم بجميع أنحائه : من نفي الشعور ، ونفي العلم ، ونفي الفقه والعقل كما في قوله تعالى : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) [سورة الحشر ، الآية : ١٤] ، وقوله تعالى : (فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) [سورة المنافقون ، الآية : ٣].
قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ). هذه الآية المباركة تبين صفة أخرى للمنافقين وهي المداهنة بإظهار شيء وإضمار خلافه ولا تكون هذه إلّا فيمن بلغ في فساد الأخلاق حدا بعيدا فيظهر بوجهين ويتكلم بلسانين يلقى كلا بحسب ما تقتضيه المصلحة وهم يرون ذلك من مصالحهم الفردية والاجتماعية ، وهذه الفئة من المنافقين لم تكن تختص بعصر التنزيل بل توجد في كل عصر وزمان ولا ينافي ذلك الحكاية عنها بصيغة الماضي وتقدم الكلام في ذلك.
وقد بين تعالى أنّ المنافقين يداهنون في دينهم فإذا رأوا المؤمنين قالوا آمنا بما أنتم به مؤمنون كذبا وزورا وإذا اجتمعوا بشياطينهم قالوا إنا معكم في العقيدة والعمل وإنما نحن نستهزئ بالمسلمين ودينهم وقد فضحهم الله تعالى وأعدّ لهم شديد العقاب.
والمراد بالشياطين هم المتمردون ، من الشطن وهو البعد والتمرد فكلما بعد الإنسان عن الخير والصّلاح وقرب إلى الباطل والفساد يقرب من الشيطان. والمقصود بهم رؤوسهم ، ومن يدبرهم في مذام الأخلاق وشعب النفاق سواء أكانوا من الإنس أم الجن ، كما في قوله تعالى : (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [سورة الأنعام ، الآية : ١١٢].