ويستفاد من الآية الشريفة أنّ كونهم مع أهل الإيمان إنما هو بمجرد المرور والملاقاة فقط ، وأما معيتهم مع الشياطين فكانت بعنوان التفهيم والاستفادة من نواياهم الفاسدة.
ثم إن الخلوة مع الشياطين تارة تكون على نحو الاستفادة وأخذ الآراء الفاسدة والعقائد السيئة وأخرى : تكون لارتكاب الفحشاء والمنكرات وثالثة : تكون على نحو التفكر في ما لا ينفع للدين والدنيا فإن الأوهام والخيالات الفاسدة والأماني الباطلة من أقوى سبل الشياطين المستولية على الإنسان الموجبة لحرمان عقله عن قرب الرحمن وعن علي (عليهالسلام): «الأماني بضائع النوكى» أي : الحمقى وأما الخلوة معهم لأجل هدايتهم إلى الحق فهي ممدوحة بل قد تجب.
قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ). الاستهزاء هو الاستخفاف والسخرية. والمد : هو الزيادة. والطغيان : التجاوز عن الحد. والعمه : التحير.
والمعنى : إن الله سبحانه وتعالى يجازيهم بالعقاب ويعاملهم معاملة المستهزئ بهم ويدعهم ويمهلهم في فعلهم وتسمية ذلك بالاستهزاء من باب التجانس اللفظي فقط كما في قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [سورة الشورى ، الآية : ٤٠] ، وقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ١٩٤] فإن جزاء الظلم ليس بظلم.
واستهزاء الله تعالى بهم لا يختص بعالم دون عالم ولا بأمر دون آخر فمن ذلك سلب توفيقاته وتأييداته ، أو إجراؤه تعالى أحكام الإسلام عليهم في الدنيا وليس لهم حظ منها في الآخرة وكونهم في الدرك الأسفل من النار وهذا من أشد أنحاء الاستهزاء بهم ويزيدهم في تحيرهم وعدم اهتدائهم للصواب والحق جزاء بما كانوا يعملون وعقوبة لهم على استهزائهم.
وهذه الآية مثل سائر الآيات المباركة التي سبقت مساقها كقوله تعالى : (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [سورة