إلّا في تشريع القبلة إلى المسجد الحرام. وإنما ذكر المسجد الحرام ، لتوسعة الأمر ، وأن الاستقبال اليه طريق إلى استقبال الكعبة المقدسة ، وإلّا فإن القبلة هي الكعبة ، لنصوص متواترة بين الفريقين كما يأتي في البحث الفقهي.
قوله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ). تعميم للمستقبلين في جميع أنحاء العالم بأن يولوا وجوههم نحو المسجد الحرام ، وتعميم أيضا لجميع الجهات خلافا للنصارى حيث يستقبلون جهة المشرق فقط.
قوله تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ). الحق يأتي لمعان متعددة ، منها الإيجاد ، والحكمة التامة ومطابقة الواقع ، وغير ذلك. وقد ورد في القرآن العظيم بالنسبة الى جميع المعارف من المبدأ والمعاد ، وصفات الباري عزوجل وأفعاله وتشريعاته المقدسة.
وعن جمع من أعاظم الفلاسفة أن الحق يقال للمطابق للمخبر عنه وللموجود الحاصل بالفعل ، والموجود الذي لا سبيل للبطلان اليه أبدا فهو تعالى حق من حيث ذاته وصفاته وأفعاله وجميع شؤونه ، وقد خصص بعض أكابرهم في شرح هذه المادة صفحات من كتابه الكريم وكلها تنطبق على المعارف الربوبية.
وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم في ما يقرب من أربعمأة مورد ، فسبحان الذي يكون هو أصل الحق ومنبعه ومرجعه. ولا حق غيره وما سواه باطل.
وقد عد الحق من أسماء الله الحسنى ، وينبعث شعاعه إلى جميع تشريعاته المقدسة. ولا يخلو الحق عن الحقيقة بخلاف الباطل ، ففي الحديث عن الأئمة الهداة (عليهمالسلام) : «على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نور».