باطلة ، وأنهم ليسوا على العلم وأن ادعوه.
ثم إنّه لا بد من الاعتبار من مثل هذه الآيات فإن الخطاب بهذا النحو يكون لأشرف خلقه وأعلاهم مقاما عند الله تعالى وإنما أفرده بالخطاب مع ان المراد به غيره من أمته ، إعلاما بأن أمته لا بد لهم من متابعته وأن لا يؤثروا على الحق شيئا ، ولا يتبعوا أهواءهم ويطلبوا مرضات غير الله تعالى. وإيذانا بأن مثل هذا الذنب ـ وهو متابعة الهوى ـ من الذنوب التي لا تغفر ولو كان صادرا من أعلى فرد وأقربهم إلى الله عزوجل. وفي الحديث عن الصادق (عليهالسلام) «يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد» ، والأخبار في ذلك متواترة ، والسيرة دالة عليه أيضا ، ويأتي التفصيل إن شاء الله تعالى بعد ذلك.
بحوث المقام
بحث دلالي :
يستفاد من مجموع هذه الآيات الشريفة أمور :
الأول : أنّ التعبير بالسفهاء في مطلع الآيات يشعر بأن أصل الاعتراض إنما نشأ عن السفاهة والجهل ، زعما منهم أن الحكم النوعي إذا حصل من الله عزوجل لا بد وأن لا يتغير ولا يزول ، وأن نسخه يستلزم الجهل ، وهذا هو الاعتراض الذي يبتني عليه إنكار النسخ عند اليهود ، وقد أوضحنا المقال فيه في ما تقدم من مباحث هذا الكتاب ، فراجع آية ١٠٦ من سورة البقرة.
الثاني : في قوله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) إشارة إلى أنّ تحويل القبلة كان من ناحية الشمال الغربي إلى نقطة الجنوب.
الثالث : أنّ الوسطية صفة ممدوحة حسنة ، ولذا اختارها الله سبحانه وتعالى في القرآن دون غيرها من الصفات الحسنة ، ولا يتصف بها كل الأمة بالعيان والوجدان فإن جمعا منهم في طرف العصيان ، فلم تتحقق الوسطية بالدليل والبرهان.
الرابع : إنّ ذكر الوسط في الآية المباركة (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً