تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) [سورة فاطر ، الآية : ٢٤].
والحق إذا أطلق لا يمكن الإحاطة بجميع جوانبه ونواحيه ، ولا بد من الخضوع لديه والتسليم له ، وهذا هو معنى الحق المطلق الذي قال عنه بعض فلاسفة الغرب المحدثين : «إذا قيل الله يعني الحق الواقع من كل جهة». وللعلماء والفلاسفة في هذا الموضوع تعبيرات مختلفة نظما ونثرا ، والمتفق بينهم ـ كما صرح به المعلم الأول ـ وهو صريح الكتب السماوية والأحاديث الواردة في السنّة الشريفة : أن الحق لا بد أن يصدر منه تعالى فهو حق بذاته وفي ذاته ، ولا حق إلّا منه عزوجل. وهذا مما لا مرية فيه.
ومادة (م ر ي) تأتي بمعنى التردد. فما ذكره الخليل من أنها في الأصل مسح ضرع الناقة للحلب. فهو من تفسير المفهوم بالمصداق لأن مسح الضرع للحلب يستلزم تردد الماسح لا محالة.
وقد استعملت في القرآن الكريم بهيئات مختلفة ، قال تعالى : (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) [سورة السجدة ، الآية : ٢٣] ، وقال تعالى : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) [سورة الحج ، الآية : ٥٥]. والمراء اللجاج ، وفي الحديث : «أترك المراء وإن كنت محقا».
والحق في الآية الشريفة من استغراق الجنس أي : أن كل حق في الممكنات إنما هو من الله تعالى ويكون تطبيق هذه الكلية على النبي (صلىاللهعليهوآله) قهريا ، فتصير النتيجة أنت بجميع شؤونك حق فلا يعقل الامتراء في ما هو من الله تعالى.
والخطاب وإن كان موجها إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) إلّا أن المراد به غيره ، كما تقدم في قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ). ونظير هذه الآية كثير في القرآن الكريم ، قال تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [سورة الفتح ، الآية : ٢] ؛ ومثل هذا الخطاب مألوف عند النّاس فإن الملوك إذا