وإنما طلب الإمامة لبعض ذريته كما تقتضيه (من) التبعيضية ولم يطلبها لجميعهم ، لأنه كان يعلم بحسب العادة أن ذريته مختلفون في الصلاح لعدمه ، وقد طلبها للصالحين من ذريته ، وطلب هذا المقام الخطير لغير الأهل لا يليق بمقام إبراهيم ، بل هو خلاف أدب الدعاء ولم يكن جديرا بالإجابة.
أو لأنّ الله تعالى أعلمه أسماء الأئمة (عليهمالسلام) من ذريته في ضمن الكلمات ، كما تدل عليه الأخبار. وسيأتي نقلها في البحث الروائي ، فحينئذ لم يكن يطلب الزيادة على ما أخبره تعالى ، فيكون دعاؤه مزيدا للاستبشار والبهجة ، أو الشكر.
قوله تعالى : (قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). يستفاد من هذه المحاورة كمال الخلة والمحبة بينه تعالى وبين عبده إبراهيم (عليهالسلام) وكيف لا يكون كذلك ، وهو خليل الرحمن.
والنيل نظير الإدراك واللحوق. والمراد بالعهد الإمامة.
وإنما عبر به لبيان كمال أهمية مرتبة الإمامة ، وأنّ جعلها مختص بالله تعالى دون غيره ، كما يأتي في تفسير قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [سورة القصص ، الآية : ٦٨].
والظلم هو التجاوز عن الحد المقرر شرعا ، وله مراتب متفاوتة ، ولهذه المادة استعمالات كثيرة يمكن حصرها في أنواع ثلاثة :
الأول : ظلم الإنسان لنفسه.
الثاني : ظلمه بينه وبين الله تعالى
الثالث : ظلمه لغيره. والعقل مستقل بقبح الجميع وقررته الكتب السماوية ، والقرآن الكريم ، والمراد به في المقام جميع ذلك.
ثم إنّ هذه الجملة تدل على عدم إمكان اجتماع عهد الله تعالى مع الظلم ، بل فيها إشارة إلى غاية بعد الظلم عن الله تعالى ، والظالم ليس بأهل