قال تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [سورة الكهف ، الآية : ٤٦] ، وتعظيم حرمات الله قال تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [سورة الحج ، الآية : ٣٠] إلى غير ذلك.
ويستفاد من مجموع ذلك أن كل ما يقرب إلى الله تعالى وكان صالحا للإنسان في الدنيا والعقبى فهو من الخير ، كما يظهر من السنة الشريفة أن الجامع بين الخيرات ما طلب فيه رضاء الله تعالى ، فعن الصادق (عليهالسلام) : «ليس الخير أن يكثر مالك ، وولدك ، ولكن الخير أن يكثر عملك ، وأن يعظم حلمك ، وأن تباهي الناس بعبادة ربك». ومن ذلك يظهر أن الاستباق الى الخيرات مما يحمده جميع العقلاء ، فالآية إرشاد إلى طريق العقلاء ، لا أن تكون تعبدية شرعية.
ومعنى الآية : ان الله تعالى جعل لكل أمة شريعة خاصة ومنهاجا معينا لا بد من متابعته ؛ والمبادرة إلى الحق ومتابعته لتحقيق المسارعة إلى الخيرات التي هي الغرض الأقصى من تشريع الشرائع.
ونظير المقام قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٨]. وإذا كانت الشرائع الإلهية تناسخ بعضها بعضا فلا بد من المسارعة إلى ما هو خيرها وهو الشريعة الناسخة لا المنسوخة.
ويمكن أن يراد بقوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) المعنى العام الشامل للجهات التكوينية والاختيارية ـ عادية كانت أو شرعية ـ فإن كل فرد من أفراد الإنسان يختلف عن غيره بأمور وخصوصيات قد لا تكون في ما سواه ولا يحيط بها إلّا علام الغيوب ، فتشمل اختلاف العادات والملكات والصفات ، والاختلاف في القبلة والشريعة. وإنما يسعى الإنسان لنيل هدفه وتحصيل غرضه باختياره ، فأمر سبحانه وتعالى أن يكون سعي الإنسان إلى الحق والمبادرة إلى الخيرات ، فإنّ به يتحقق الاتحاد في المجتمع وبه يرتفع الاختلاف والتعاند إذا كان الغرض محبوبا لدى الجميع بعد ما كان فيه الصلاح والخير ، وإلى ما ذكرناه