تشير الآية الكريمة : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٨].
ولذلك رغب سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بالاستباق إلى الخيرات والمغفرة ، قال تعالى : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [سورة الحديد ، الآية : ٢١] ، وقال تعالى : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ٦١].
ومما ذكرناه يظهر الوجه في جعل نفس الخيرات ، والمغفرة ، أو الصراط سبقا (بفتح السين والباء) للإعلام بأنها هي الغاية المطلوبة ، والهدف المرجو في المسابقة.
قوله تعالى : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً). أينما : ظرف مكان يدل على العموم ويتضمن معنى الشرط وجوابه (يَأْتِ بِكُمُ اللهُ) ، واللفظ شامل لجميع الحالات الممكنة الواردة على الإنسان وجميع التبدلات الحاصلة له من الجمع والتفرق ونحوهما ، وجميع ما يرد عليه من التقلبات والاستحالات من جوهر إلى جوهر ، أو صفة إلى أخرى.
فهذه الجملة من أبرز مظاهر قيمومته وإحاطته على ما سواه عزوجل ؛ وذلك من شؤون القهارية والقدرة المطلقتين ؛ كما في قوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [سورة النساء ، الآية : ٧٨] ؛ وقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [سورة الحديد ، الآية : ٤] والآية نظير قوله تعالى : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ) [سورة لقمان ، الآية : ١٦]. وجميع ما سواه عزوجل في مقابل عظمته وقدرته وقيمومته أصغر من حبة الخردل بل لا وجه لملاحظة النسبة بين المتناهي وغير المتناهي.
وترتب الآية على قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) من قبيل ترتب الجزاء على الشرط ، أي : انكم ترون نتائج استباقكم بأنفسكم ؛ فتشمل