قوله تعالى : (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). هذا هو الأمر الثالث. وكلمة «لعل» بمعنى التوجي في جميع الموارد إلّا أنه بالنسبة إليه عزوجل يكون بداعي المحبة والإيجاب لا بداعي الترجي الحقيقي حتّى يكون محالا عليه عزوجل ، لأنه الكامل في ذاته وبذاته ولا يعقل النقص بالنسبة إليه تعالى ، والتمني والترجي إنما يتصوران بالنسبة إلى الناقص وأما إذا كانا بدواع أخرى غير داعي وقوع حقيقيّهما فلا محذور بالنسبة إليه عزوجل. وتستعمل في القرآن الكريم في كل فعل من أفعال الإنسان وكل غاية يقصدها باختياره.
هذه هي الغايات الشريفة في أمر القبلة والتعبد بها وكل غاية تشير إلى جانب من جوانب هذا الجعل الإلهي : جانب الحجة والإحتجاج مع المخالفين والمعاندين وقطع حجتهم ، والجانب المادي والفوائد التي يتوخاها الإنسان ، والجانب المعنوي والروحي من التكاليف.
وكل واحد من هذه الغايات الشريفة والمنافع الجليلة قد ذكرت في جملة من الآيات الكريمة ، وبذلك تتم نعمته على المسلمين ويظهر عظيم لطفه بهم في هذا التكليف.
بحوث المقام
بحث أدبي :
الشايع في المحاورات أن الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات ، وجرى عليه نظم القرآن الكريم ، كما في قوله تعالى فيما تقدم من الآيات الشريفة (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) ولذلك تدل كلمة التوحيد على نفي الشرك وإثبات الوحدانية له تعالى.
والمعروف بين اللغويين وغيرهم أنّ كلمة «إلّا» تستعمل في الاستثناء المتصل والمنقطع ، وتأتي بمعنى «لكن» و «غير» أيضا والمرجع في التعيين القرائن المعتبرة ، وإذا كانت بمعنى «غير» تكون صفة. وقالوا : إنّ الأصل في «إلّا» أن تكون استثناء والصفة عارضة ، للقرينة ، كما أنّ الأصل في «غير» أن تكون صفة والاستثناء عارض ، وفي القرآن الكريم أمثلة على ذلك يأتي التعرض لها في محالها.