ثم إنّه وقع الالتفات في الآيات الكريمة المتقدمة بأنحاء.
وهو : أسلوب كلامي يظهر غالبا في كلام العظماء والملوك عند تكلمهم في مجلس واحد عن قضايا كثيرة على حسب سعة نفوذ أمرهم وسلطانهم ، فينتقلون من الحاضر الى الماضي ، أو إلى المستقبل ، أو إلى الأمر والنهي وقضايا متعددة ، فهو يدل على كثرة نفوذ كلام المتكلم وسعة مقصده.
والحكمة فيه إثارة العقول إلى ما يتحقق من الحكمة والإتقان والتدبر ، وبه يتحقق النظم البليغ ، لأنه نقل الكلام وتغييره من حالة إلى أخرى ، فهو من محاسن الكلام وبدائعه ويهتم الأدباء به اهتماما بليغا ، كما وقع ذلك في القرآن الكريم كثيرا.
والمشهور بينهم انه يشترط فيه شروط ثلاثة :
أحدها : أن يكون الانتقال على غير ما يقتضيه الكلام الظاهر ، أي أنّ مقتضى الظاهر أن يكون التعبير بغير الالتفات فينتقل إليه.
ثانيها : أن يكون الضمير في المنتقل اليه عائدا في نفس الأمر إلى المنتقل عنه ، بخلاف ما إذا كان كل واحد من الضميرين يرجع إلى واحد من اثنين ، كما في قول : «أنت صديقي».
ثالثها : أن يكون في جملتين.
وهو عند أهل المعاني والبديع على أنواع :
الأول : تعقيب الكلام بجملة مستقلة بعد ما فرغ المتكلم من المعنى تتلاقى الجملة الأخيرة مع الأولى في المعنى على طريق المثل أو الدعاء أو نحوهما ، مثل قوله تعالى : (وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [سورة الإسراء ، الآية : ٨١] ، وقوله تعالى : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [سورة التوبة ، الآية : ١٢٧] ، وهو على سبيل الدعاء.
الثاني : أن يذكر المتكلم معنى فيتوهم ان السامع اعترض في قلبه شيء فليتفت في كلامه ليزيل ما وقع في قلبه من شك ونحوه ثم يرجع الى