بأسلوب رصين وعبارات بليغة.
فذكر سبحانه أولا فضائل البيت الحرام ، وكونه مثابة للنّاس وأمنا ومحلا لعبادة المتعبدين ، وهو بذلك أراد سبحانه تهيئة النفوس لقبول تشريع جديد ، ثم ذكر أنّ القبلة أمر تعبدي لا بد وان يكون من الله تعالى ـ كما هو شأن كل عبادة إلهية ـ ثم أعلم نبيه بتغيير القبلة وأمر المسلمين باتباع القبلة الجديدة وأكد عليه تأكدا بليغا ، وقد جمع سبحانه في ذلك بين رغبة رسوله الكريم في اتخاذ قبلة جديدة وبين استقلال المسلمين فيها بعد أن كانوا تابعين ، وذكر سبحانه أخيرا ان الاستقبال أمر اجتماعي لا يختص بطائفة خاصة ، وفي الضمن أبطل اعتراض المعترضين ودحض حججهم. ونحن نذكر في هذا البحث بعض الجوانب المهمة في القبلة.
القبلة أمر اجتماعي :
لا ريب في أنّ الإنسان واحد نوعي وهذه الوحدة النوعية تقتضي وحدة الاجتماع بالطبع ، والوحدة الاجتماعية من أهم الأمور النظامية التي يقوم بها النظام ويحفظ بها شؤون الأنام ، فإذا كان تنظيم الأمور النظامية في الحيوان بإلهام من الله تعالى ، كما يستفاد من آيات كثيرة ، ويأتي في قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) [سورة النحل ، الآية : ٦٨] بعض الكلام ففي استلهام طبيعة الاجتماع الإنساني التي يستكمل بها خصوصيات الاجتماع والجهات اللازمة بالأشد والأقوى.
ومن تلك الجهات التي يستكمل بها الاجتماع وحدة التوجه الى الجهة الواحدة التي لا بد للمجتمع أن يهتم بها كما أن ارتباط كل عابد بمعبوده من الأمور الفطرية التي أظهرها أنبياء الله تعالى ، كذلك التوجه إلى جهة معينة ، ويرشد إلى ذلك قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٨]. ولا تخلو الأمم البدائية القديمة من هذه العادة وإن كانت مشوبة ببعض الجهات المستنكرة إلّا أنّ ذلك لا يوجب خروجها عن كونها من طرق توجه القلب والروح الى المعبود ، بل سيأتي في المحل