ولعل أحد وجوه تأكيد القرآن واهتمامه بكون بيت الحرام قبلة انها أول قبلة شرعت في الأديان السماوية بها تحفظ الوحدة بين أفراد هذا الدين. وانها كانت سببا في هدايتهم ، وإعلاما بأنهم على الصراط المستقيم وتدعيما لهم ، وقد تكفل سبحانه وتعالى الجواب عن احتجاج المعترضين ، كما وصم سبحانه المخالفين بخفة العقول واتباع الأهواء الباطلة والظلم وأوعدهم بسوء العقبى إن هم أصروا على الجحود والإنكار. ولأجل ذلك كله كان هذا التشريع الجديد من موجبات إتمام النعمة على المؤمنين.
تحويل القبلة :
كان الرسول (صلىاللهعليهوآله) وأصحابه يستقبلون بيت المقدس أول بعثته في مكة حتّى بعد هجرته إلى المدينة إلى نزول الوحي بتحويل القبلة ولقد كان (صلىاللهعليهوآله) يرغب في ذلك ويترقبه بشغف شديد ، كما حكى عنه عزوجل : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها).
ويمكن أن يستفاد من إطلاق قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ) أنّ القبلة الحقيقية كانت هي البيت الحرام ، فإنّ كون البيت مثابة يقتضي ان يكون مثابة أيضا لهم في أهم الجهات العبادية وهو الاستقبال والتوجه اليه في العبادة.
ويؤكد ذلك جملة من الأحاديث الواردة في أنّ الكعبة كانت قبلة الأنبياء السابقين (عليهمالسلام) وأنّها كانت موضع تقدير العرب وحبهم لها وتوجههم إليها ، فهي من هذه الجهة اقدم القبلتين وأشرفهما وتربو فضيلتها على بيت المقدس من جهتين : ذاتية ـ لأنها أشرف بقاع الأرض مطلقا ، كما تدل عليه الأخبار الكثيرة ، وانها مقابل بيت المعمور ـ وعرضية ، لأنها موضع عبادة المتعبدين من بدء تكوينها ، فما زالت مطاف الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين والأولياء والصديقين وعباد الله الصالحين.
ولا يستفاد من آيات تشريع القبلة ما يخالف ذلك إلّا ما قد يتوهم في قوله تعالى : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [سورة البقرة ، الآية :