١٤٢]. وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٣] الى غير ذلك مما تقدم من الآيات المباركة :
ويمكن الجواب عنه : بأنّ الآية الأولى نسب الاستقبال فيها إلى المسلمين لا إليه عزوجل مما يؤكد عدم كون القبلة المولّى عنها قبلة حقيقية.
وعن الآية الثانية بأنها لا تدل على كون الجعل جعلا أوليا ذاتيا. نعم تدل على الجعل التقريري الظاهري لمصالح ظاهرية متعددة اقتضت استقبال الرسول (صلىاللهعليهوآله) لبيت المقدس ـ نظير صلح الحديبية وغيره ـ والمصالح الزمنية قد تقتضي الفعل وقد تقتضي الترك ولذلك أمثلة كثيرة في الشريعة المطهرة ، فلم يكن استقبال الرسول (صلىاللهعليهوآله) إلى بيت المقدس لأجل كونه قبلة حقيقية فنسخت وحولت إلى قبلة أخرى ، بل القبلة الحقيقية هي الكعبة المقدسة ، ويشهد لذلك ما ورد : «من أنّ النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يصلّي ـ وهو بمكة ـ نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه».
وعليه فلم تكن مصلحة واقعية في استقبال الرسول (صلىاللهعليهوآله) لبيت المقدس ، بل كان الحكم إرشادا محضا لاستقرار ظاهر الشريعة ، والأمن من كيد الأعداء وخديعتهم ليحين حين إظهار الحق فهو تكليف مجاملي تأليفي ، فيكون اطلاق النسخ عليه من باب المجاز والعناية ، أو بالمعنى اللغوي ، وهو مطلق التبديل إلّا إذا أريد منه نسخ قبلة اليهود.
إن قلت : يظهر من ذيل الآية الشريفة : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) أنّ استقبال بيت المقدس كان لأجل كونه قبلة حقيقية لا أنه مجرد تكليف مجاملي. (نقول) : إنّ الآية الشريفة في الخلاف أدل وأظهر ، كما ذكرنا آنفا.
زمان تحويل القبلة :
قد صلّى الرسول (صلىاللهعليهوآله) بأصحابه إلى بيت المقدس برهة من الزمن حتّى نزلت آيات تحويل القبلة فأمر النبي (صلىاللهعليهوآله)