الْحَكِيمِ) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٨]. ومن أشدها حسرة قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) [سورة البقرة ، الآية : ٤٤]. وتقدم بعض الكلام في الآية الأخيرة.
والمعنى : إنّ الرسول يتلو عليكم الآيات الباهرات التي تهديكم إلى الصراط المستقيم وترشدكم الى الحق القويم.
قوله تعالى : (وَيُزَكِّيكُمْ). أصل الزكاة هو النمو الحاصل من بركة الله تعالى سواء أكان في الأمور الدنيوية ، أم الأخروية ، أم هما معا. وقد استعملت في القرآن الكريم بأنحاء شتى ، فتارة : تضاف الى الله عزوجل ، قال تعالى : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) [سورة النساء ، الآية : ٤٩]. وأخرى : إلى نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ؛ كما في المقام وثالثة : إلى ذات الفاعل ، قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [سورة الشمس ، الآية : ٩]. وهذا هو شأن جميع الصفات ذات الإضافة.
والتزكية هي الطهارة والتقديس عن الأدناس والأرجاس الظاهرية أو الرذائل المعنوية ، سواء كانتا بالنسبة إلى النفس كما في بعض النفوس السعيدة مما يفيض عليها الله تعالى على نحو الاقتضاء ، كما قال تعالى : (غُلاماً زَكِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ١٩] ، أو بالنسبة إلى الأعمال والأفعال.
والرسول الأعظم (صلىاللهعليهوآله) هو المثل الأعلى في التزكية بجميع مراتبها والقدوة الحسنة في الأخلاق الفاضلة والسجايا الكريمة لا يدانيه أحد ولا يجاريه فرد ، ولقد جاهد في تزكية أمته بدينه وتعاليمه وتشريعاته ، وبنفسه الشريفة ، قال تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) [سورة الأحزاب ، الآية : ٢١]. وتطهيرهم من رذائل الأخلاق وسوء الإعتقاد ، فإن بالتزكية يتخلى الإنسان عن الرذائل والخبائث ويتحلى بالفضائل ، فهي التربية العملية التي لها الأثر العظيم في مطلق التربية والتعليم.
وترتب التزكية على التلاوة من قبيل ترتب المقتضى (بالفتح) على المقتضي (بالكسر) ، وقد يكون من قبيل ترتب المعلول على العلة التامة ، كما