في بعض النفوس المستعدة.
ثم انه تعالى قدم التزكية على التعليم في هذه الآية الشريفة وأخرها عنه في دعاء ابراهيم (عليهالسلام) قال تعالى : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٩]. ولعل الوجه في ذلك ان للتزكية مراتب كثيرة منها الإرشاد المحض وإتمام الحجة ، ومنها التخلي عن الرذائل ، ومنها التحلي بالفضائل ، ومنها التجلي بمظاهر الأسماء والصفات الربوبية ولكل واحدة منها درجات ، فيحمل ما قدمت فيها التزكية على بعض المراتب ؛ وما أخرت فيها على البعض الآخر.
قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ). لأنّ بالتعليم يرتقي الإنسان من أدنى درجات البهيمية الى أقصى درجات الإنسانية ، فقد كان الرسول (صلىاللهعليهوآله) المعلّم الهادي لأمته يبين لهم ما انطوت عليه شريعته وما اشتمل عليه كتابه الكريم من الأسرار والمعارف الربوبية.
قوله تعالى : (وَالْحِكْمَةَ). تقدم معنى الحكمة في الآية ٣٢ من هذه السورة. فان قلنا بمقالة الفلاسفة من أنّ الحكمة تارة : علمية ، وهي : العلم بحقائق الموجودات بقدر الطاقة البشرية ، وأخرى : عملية وهي صيرورة الإنسان أكبر حجة لله تعالى في خلقه ، فان عظمة مقامها معلومة لكل احد.
وإن قلنا بما يستفاد من الكتاب والسنة المقدسة ـ وهي متابعة الشريعة أصولا وفروعا ، ومعرفة حجة الله على الخلق ـ فالأمر اظهر وأبين ، وسيأتي شرح الحكمة في قوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٦٩].
قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ). بفهم أسرار الكتاب العظيم واخبار الأمم الماضين والعلوم التي تهمكم وتزيد في علوكم ، وتكون سببا في تهذيب نفوسكم مما لم تكونوا تعلمونه سابقا.
وهذه الآية على اختصارها تحتوي على أصول التربية والتعليم بالترتيب الذي أراده القرآن العظيم ابتداء بالتلاوة والتذكر بآيات الله تعالى ، ثم تزكية