الْأَلْبابِ) [سورة ص ، الآية : ٤٣] ، وقال تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة الذاريات ، الآية : ٥٥].
والمراد به في المقام هو الالتفات الفعلي اليه تعالى قلبا وقولا وعملا عكس قوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) [سورة الحشر ، الآية : ١٩].
والالتفات اليه تعالى يتحقق بتذكر نعمه تعالى وإدمان الشكر عليها والطاعة والعبادة له وإتيان ما اختاره الله تعالى مما فيه السعادة في الدارين فان الالتفات اليه عزوجل كذلك مبدأ العبودية المحضة المنتهية الى الكمال المطلق ، لما ثبت في الفلسفة العملية من : أن آخر مقام الفناء في مرضاته تعالى أول مقام البقاء به عزوجل ، وان أخريات درجات التحلي مبشرات لأوليات مقامات التجلي.
وذلك لأن أنس النفس بالكامل بالذات والكمال المطلق ، والخير المحض العام ، والفيض الأقدس التام يوجب ترقي النفس وتعاليها عن حضيض البهيمية حينئذ إلى أوج الكمالات الحقيقية وكلما ازداد الأنس ازداد الارتقاء ، وأساس هذا الأنس يدور مدار الالتفات الفعلي اليه عزوجل كما يريده تعالى ، وهو المعبر عنه ب (الذكر) في الكتاب والسّنة الشريفة ، وبعبارات مختلفة أخرى ، كالتوجه ، والتقرب ، والتولية وغيرها.
والمناط كله أمران :
(الأول) : الالتفات الفعلي إلى الله تبارك وتعالى المعبر عنه في الفقه ب (القربة) ، كما يعبر عنه علماء الأخلاق ب (الحضور ، والتوجه) ونحو ذلك.
(الثاني) : كون ما يذكر به الله عزوجل مأذونا فيه من قبله تعالى ، فقد ورد الإذن فيه في الشريعة المقدسة بشرائطه المعينة التي لا بد من مراعاتها ، كما فصلها الفقهاء ، فكل ما يكون مرضيا لله تعالى ويؤتى به لوجهه عزوجل فهو ذكر الله تعالى ، سواء أكان من العقائد أم الأخلاق الحسنة ، أم العبادات والمعاملات أم غير ذلك فإن ذكره تعالى ـ كرحمته ـ وسع كل شيء