وقال تعالى : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٧٢] إلى غير ذلك من الآيات المباركة. وأخرى : إلى نعمه قال تعالى : (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) [سورة النحل ، الآية : ١١٤]. وهو يرجع الى الأول ، لأن كل ما بالعرض لا بد ان ينتهي إلى ما بالذات. وثالثة : إلى نفس الشاكر ، قال تعالى : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) [سورة لقمان ، الآية : ١٢] فان غاية الشكر إنما يرجع الى نفس الشاكر ، كقوله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) [سورة الأسراء ، الآية : ٧] ، ولا فرق في هذا القسم بين أن يكون الشكر على الآراء والمعتقدات الحسنة والمعارف الحقة ، أو على النعم الخارجية ، وجميع ذلك مذكور في القرآن الكريم ، قال تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة المائدة ، الآية : ٨٩] ، وقال تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة النحل ، الآية : ٧٨] وقال تعالى : (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة الأنفال ، الآية : ٢٦] وهو مطابق للقواعد العقلية لأن أساس معرفة الله تعالى مبني على وجوب شكر المنعم عقلا ـ وهذا الوجوب عقلي لا أن يكون شرعيا ـ ومعرفة الله تعالى من أرفع المقامات والكمالات الإنسانية التي وصل الإنسان إليها بحكم عقله.
الثاني : أن يكون من الخالق للمخلوق ، قال تعالى : (وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) [سورة النساء ، الآية : ١٤٧] ، وقال تعالى : (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) [سورة الإنسان ، الآية : ٢٢] بل الشكور من أسمائه الحسنى ، فإن من عادة العظماء التشكر مما يستحسنونه من أعمال الرعايا ، وله دخل كبير في سوق العباد الى العمل وجلب قلوبهم.
الثالث : أن يكون من الخلق لآخر مثله وهو من مكارم الأخلاق ، وقد ورد في الحديث : «من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق» لانتهاء المخلوق ونعمه إلى الخالق فالشكر له ينتهي بالآخرة الى شكر نعمائه ، وترك شكر المخلوق ينتهي الى ترك شكر الخالق في سلسلة الأسباب.
ثم إنّ الشكر تارة : يكون لله تعالى لذاته بذاته بلا لحاظ عناية أخرى ، لأنه مبدأ الكل ومنتهاه فيستحق الشكر وهو شكر أخص الخواص ،