بحوث المقام
بحث دلالي :
تدل الآيات المباركة على أمور :
الأول : إنّ الآيات المتقدمة وما في سياقها تستنهض النّاس على المجاهدة في سبيل الله تعالى ، بلا فرق بين ان تكون المجاهدة في قتل الكافرين والمعاندين للحق ، أو المجاهدة في تهذيب النفس وتزكيتها بمكارم الأخلاق وترويضها بصالح الأعمال ؛ ويسمى هذا بالجهاد الأكبر كما ورد في الحديث عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله). أو المجاهدة في تحصيل المعارف الإلهية فإنها أعظم سبل الله تعالى والجهاد فيه يربو على أجر الشهيد ، ففي الحديث : «إذا كان يوم القيامة يوزن مداد العلماء على دماء الشهداء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء» أو المجاهدة في السعي في قضاء حوائج المؤمنين وغير ذلك مما يسمى بالجهاد في الشريعة المقدسة ، فإن سبيل الله له مراتب كثيرة وجوانب متعددة والمجاهدة فيه أيضا كذلك.
الثاني : إنّ الآيات تدل على وجود عالم البرزخ وقد اثبته الفلاسفة ببراهين عقلية وتدل عليه آيات وروايات كثيرة وهو عالم وسيع جدا يتحقق من بعد الموت إلى البعث قال تعالى : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ١٠٠] ولهذا العالم تفاصيل كثيرة لعلنا نتعرض للمهم منها في الموضع المناسب.
الثالث : استدلوا بهذه الآيات على تجرد النفس ـ كما سيأتي بيانه والتجرد وإن كان حقا في الجملة والعلم به حاليا أولى بأن يكون علما استدلاليا مقاليا.
إلّا أنّ هذه الآيات بمعزل عن الدلالة على تجرد الروح فإنها لا تنافي كونها جسما لطيفا الطف من الهواء ، ومع الاختلاف العظيم الذي وقع من العلماء في شرح حقيقة الروح كيف يمكن الجزم بتجردها أو الجزم بشيء آخر؟! وسيأتي الكلام في الروح إن شاء الله تعالى.