من جهة كثمرات الأشجار وأوراد النباتات وجمال كل جميل ، وحسن كل حسن وغير ذلك مما هو من بدايع الله تعالى وودائعه في الطبيعة ، والأعمال القريبة إلى الإنسان التي تفعلها النفس من هذا القسم أيضا فإنها جسمانية الحدوث روحانية البقاء ، لبقائها ببقاء الله تعالى وعدم نفاذها وقد أشتهر بين الفلاسفة : «أن النفوس الناطقة جسمانية الحدوث روحانية البقاء».
الثالث : أن يكون روحاني الحدوث وروحاني البقاء كالروحانيين والأملاك الذين هم سكنة الأفلاك المسيطرون على السفليات بإذن خالق البريات.
الرابع : أن يكون روحاني الحدوث جسماني البقاء كالملك إذا ظهر في صورة جسم ، وقد مر في الحجر الأسود من أنه كان ملكا ثم صار حجرا فراجع الآية ١٣٧ من هذه السورة.
إذا عرفت ذلك يتبين موقع النفس من هذه الموجودات ، فهي الموجود الذي يحتاج في فعله إلى المادة دون ذاته فلا يمكن استقلالها عن الجسد في العمل الذي يكون جسماني الحدوث ، لأن حدوثها بحدوث الجسم وقبله لا يكون شيئا ؛ وروحاني البقاء لبقائها بعد فناء الجسد. وقد عبر بعض الفلاسفة المحدثين (هيغل) عن النفس بأنّها أدنى تجل حسّي للروح في علاقتها بالمادة ، أي : حساسة وفاعلة.
المراد من النفس :
النفس في اللغة تأتي بمعنى الذات والشخص ، وهي مشتقة من (النّفس) الذي هو بمعنى نسيم الهواء ؛ وبه تتعلق حياة الإنسان فالنفس ما تقوم به الحياة ، ولذا سمي الدم (نفسا) في اللغة والشرع كما ورد في أحاديث حيوان ذي النفس السائلة ، ولعل ذلك من باب إطلاق الحال على المحل ، لأن حركة الدم في الجسم منشأ لحصول الروح البخاري ، وهي مورد تعلق النفس الحيواني. فالنفس هي ما تتقوم به الحياة وبها يتميز الكائن الحي مما لا حياة فيه. وهي بهذا المعنى تكون مرادفة (للروح) فإن الروح إذا انقطعت عن الحيوان فارقته الحياة وكذلك النفس.