حسب ما يختار صاحبها من الطريقين ، فانها كصحيفة بيضاء لا أثر فيها الا بما ينتقش فيها إما للدنيا أو الآخرة أولهما معا ، قال تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [سورة النجم ، الآية : ٣٩] ، فالآية تشمل كل واحدة من الدارين أو هما معا ، قال تعالى : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) [سورة طه ، الآية : ١٥] فلا نجاة لها إلّا بالعمل الصالح الذي ورد من الشرع ، ولا مقام ولا منزلة لها في الدنيا إلّا بالسعي ، وهي متفاوتة في ذاتها ومختلفة في آثارها ، وهذا قريب من الوجدان. وقد قسمها العلماء إلى أقسام ليس هنا موضع ذكرها وسيأتي تفصيل ذلك كله في آية ٢٨١ من هذه السورة إن شاء الله تعالى.
تعدد النفس والجسد :
إذا رجع كل فرد إلى وجدانه يرى انه شيئان : النفس والجسد ويذعن بأن للإنسان بدنا (جسدا) وقوى ظاهرية ، وما يدبرها وهو ليس إلّا النفس المعبر عنها ب (الروح) ، وهما متحدان كاتحاد الماء مع الورد لا يمكن الفصل بينهما إلّا من ناحية الآثار والعوارض والحوادث والآفات. فإن للجسم خواصا وآثارا وامراضا معينة ، كما أن للنفس آثارا وظواهر وحوادث ، ولعل هذا الأمر أصبح من الواضحات في هذه الأعصار بعد تقدم العلم وكشف الظواهر النفسية وما يترتب عليها من الآثار والأمراض المتعلقة بالنفس دون الجسد وقد وضعوا لها علما مستقلا يتكفل جميع ما يتعلق بالنفس.
ومع ذلك فقد اثبت الفلاسفة والعلماء القدماء منهم والمحدثون ثنائية النفس والجسد بأدلة كثيرة قويمة لا تبقي مجالا للقول بواحدية الإنسان كما عن الماديين وانه ليس إلّا جسما فقط ، فانه مخالف للوجدان والدليل العقلي وجميع الأديان السماوية.
نعم يبقى شيء وهو أنّ الإنسان وإن كان مركبا بالتحليل العقلي من النفس والجسد إلّا أنه واحد شخصي يشار إليه باعتبار أنه شخص مادي ذو فكر ، متعلم ، يفعل كذا وكذا ، وبمثل هذا الواحد الشخصي تعلق الخطاب في القرآن الكريم والشريعة المطهرة وفي المحاورات. ولعل من قال بواحدية