ويطلق الطيف على الخيال ، والنوم ، والحادثة باعتبار الإحاطة بالإنسان. وسمي السعي بينهما تطوفا باعتبار تكرره والرجوع الى مبتدئه كما يطلق على المرأة طوافة البيت.
وإنما بدأ سبحانه في بيان أعمال الحج واحكامه بالسعي بين الصفا والمروة مع أنه مؤخر عن جملة من الأعمال ـ كالإحرام والطواف بالبيت ـ إما لأجل أن حكمة تشريعة كانت بعيدة عن العقول ، أو لأجل أن الصفا والمروة كانا محلا لأعظم أصنام المشركين ، فكان المسلمون يتنزهون عن السعي بينهما. أو لأجل إنكار شعيرتهما وعدم كونها مما أتى به إبراهيم (عليهالسلام) أول مشرع لأحكام الحج ويرشد الى هذا الاحتمال ذكر آية الكتمان بعد ذلك.
ويمكن أن يقال : انه قد ذكر سبحانه إجمالا بعض اعمال الحج في ما تقدم من الآيات ، فقد ذكر الطواف في قوله تعالى : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٥] وذكر صلاة الطواف في قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٥] وهنا ذكر السعي ، وسيأتي بقية الأحكام في هذه السورة وسورة الحج.
قوله تعالى : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً). التطوع : هو الرغبة في الشيء متخذا له كما في التعلم والتفهم ، وهذا هو شأن هيئة (تفعّل) وهو أعم من الطاعة فانها لا تصدق إلّا إذا كان أمر في البين ـ واجبا كان او ندبا ـ وفي غيره لا تصدق الإطاعة.
ولا يدل اللفظ على الندب والاستحباب إلّا بقرينة خارجية ؛ ويمكن أن يستفاد من قوله تعالى : (خَيْراً) أن السعي كالطواف حول البيت الحرام انه خير ويكون محبوبا له تعالى ، ويقتضيه المتعارف عند الملوك فإن كثرة تردد الرعايا على أبوابهم محبوبة لديهم.
قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ). شكره تعالى إنعامه على العباد ، والجزاء على ما فعلوه من الخير. وهو العليم بطاعة العباد لا يخفى عليه شيء فيجازي كل فرد بما يستحقه من الجزاء.
وفي التعبير بالشكر إشارة إلى نهاية لطفه وكمال عنايته بعبيده ، فان العبد