الأدلة الواضحة. والهدى : كل ما يقع في طريق استكمال النفس أي الآيات والحجج الواضحة الموجبة لهداية النّاس.
وعموم الآية يشمل جميع التشريعات السماوية المحكمة بالحكمة البالغة الإلهية سواء كانت في أصول الدين أم في فروعه. وجميع الأدلة العقلية المقررة بالشريعة المقدسة ، فان العقل شرع إلهي داخلي كما أن الدين شرع إلهي خارجي أيد الله كلا منهما بالآخر ؛ فهما حقيقتان متلازمتان بل حقيقة واحدة لها آثار مختلفة ، ولذا ورد أنه : «لا عقل لمن لا دين له» كما يصح ان يقال : لا دين لمن لا عقل له وسيأتي إثبات هذه الملازمة بل وحدة الحقيقة فيهما بالأدلة الكثيرة.
قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ). المراد بالكتاب هو ما أنزله الله تعالى في كل عصر فيشمل التوراة والإنجيل في كل ما لم يثبت نسخه بالقرآن ، ولا فرق بين كتابه تعالى وألسنة رسله لأنّ كلا منهما يحكي عن الآخر. وإنما ذكر سبحانه الكتاب لأنه لا تتم الحجة من الله على الخلق إلّا بإنزال الكتاب وبيانه.
قوله تعالى : (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ). اللعن : الطرد والابعاد على سبيل السخط. وهو من الله تعالى العقوبة في الآخرة ، والانقطاع عن الرحمة والتوفيق في الدنيا. ومن غيره دعاء على الملعون بالإبعاد عن رحمته عزوجل. وهو يعمّ الإنسان والحيوان وغيرهما عما يلهمهم الله تعالى ، كالرحمة ، اللذين هما من أسرار التكوين ويعمان جميع العوالم المرتبطة بالحي القيوم ، فإن جميع حقائق الموجودات ملهمة منه عزوجل ، كما يلهمه سائر ماله دخل في نظامهم.
والمراد من «اللاعنون» كل من يتأتّى منه اللعن ، سواء كان ملكا أو إنسانا أو حيوانا وذكرهم بالخصوص لبيان قبح هذا العمل وشناعته عند من يتعقل ويعلم به.
وحكم هذه الآية عام يشمل كل من كتم علما من العلوم التي فرض الله تعالى بيانها للنّاس بل يشمل كل من فعل المحرمات بعد تمامية الحجة عليه